نقد النقد
ألا يبدو أن كثيرا من الناس يتلذذون بإعطاء النقد «وأكيد ليس باستقباله» في الإعلام وفي الحياة العامة وبين الأصدقاء والأهل؟؟ الكل ينتقد والكل «أو فلنقل الغالبية» يفعل ذلك من منطلق النصح والعلم, ولا شك أن هذه الظاهرة صحية في مبدئها, فالنقد عملية فكرية حيوية من أهم الوظائف التي يؤديها عقل الإنسان, بل لا يصح منهج تفكير دون قدرة نقدية سليمة.
وهنا مربط الفرس: قدرة نقدية سليمة, أو بمعنى آخر مبنية على أسس صحيحة, فكُثُر – مثلا - الذين يتخيلون أو يزعمون أنهم يقومون ببحث على قضية ما, فيجدون أن أبحاثهم لا تُقبَل ولا تفيد لأنها لا تلتزم بأصول البحث, وحتى من يحب أن يلعب الشطرنج – مثلا – يحرص قبلا أن يتعلم أصول وقوانين اللعبة, وإلا كيف يحدد فوزه من خسارته؟! فالسؤال إذن: هل كل من ينتقد يلتزم بأصول النقد, أو حتى يعرفها؟ يبدو أن الجواب مستتر في السؤال, ومع ذلك قد يقول قائل: وماذا لو لم يلتزم, أليس المهم أن يوصل فكرته؟
والجواب يحتاج لأن نطرح سؤالا آخر: أليس لكل «ناقد» غاية من نقده, ثم له وسيلة توصله لتلك الغاية؟ فأما إن كانت غايته سيئة «أذى أو ضرر» فلا يحق له أن يسميه نقدا, بل له أسماء أخرى «سب, تعيير, إهانة, تخذيل إلخ). ولكن الغالب على الناس الغاية الحسنة وهي عادة إصلاح أو نصح أو تنبيه, وهذه غاية رفيعة جميلة لا ينبغي أن يرفضها أو يغضب منها أحد على افتراض أنه يُقِر بأنه بشر, وليس نبيا ولا رسولا!! ففي هذه الحالة لابد أن يعي أن النقد يعينه على الإتقان في صنعته, أو الإحسان في خُلُقه, إلخ.. ولكن هناك افتراض آخر يسبق قبول الشخص للنقد: أن تكون وسيلة النقد سليمة, فكما نعرف بداهة «أو يُفترض أن نعرف»: الغاية لا تبرر الوسيلة, وحاول مثلا أن تقنع أحدا بأنك تريد نفعه أثناء صراخك في وجهه, أو سبه, أو إهانته والتقليل من شأنه.. ولماذا البعد, انظر لرد فعلك أنت إذا ما انتقدك أحدهم بأسلوب سيئ, وإن كنت تعرف أنه يقول حقا.. هل عندك استعداد لسماع قوله والتفكر فيه؟ إذن فإن استخدام الوسيلة الخاطئة وإن صحت الغاية, يبعدنا عن الغاية مما يجعله تصرفا غير فطن.. فكيف نجعل الوسائل تتفق وتتناغم مع الغايات؟ لنترك ذلك للمرة القادمة بإذن الله.