هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستراتيجيتها التطويرية

كنت دائما أستمد الصبر على المكاره من صمود جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع السهام التي توجه إليها من الذين يجدون ملاذا آمنا في صحف تنشر جميع ما يكتبونه ضدها وبعضه غير حقيقي بل افتراءات منبعها الرفض لوجود الجهاز فقط، لأنهم يرون أن وجود هذا الجهاز تقييد لحرياتهم. ولابد أن نتساءل: ما حدود هذه الحريات؟ هل إلى المدى الذي تعتسف حدود حرية الآخرين الباحثين عن الأمن النفسي والأخلاقي أيضا؟
هنا نقاط الاختلاف التي مع الأسف لا وجود لها في بعض الإعلام منذ أحداث أيلول (سبتمبر) وما تلاها من تدخلات في أنساقنا الاجتماعية والتشريعية، فالهجوم أصبح يضخم الأحداث والأخطاء التي قد يقع فيها بعض منسوبي الهيئة تماما مثلما يخطئ جندي المرور ورجل الشرطة، والطبيب في غرفة العمليات، والمسؤول المقصر في أيفاء مسؤولياته ويتضرر من ذلك التقصير الجمهور. فهل نطالب وزارة الصحة بإغلاق المستشفيات؟ أو نطالب بإغلاق أجهزة الشرطة وضمها لسلاح الحدود؟
أليست هذه المطالبات فجة ولا تدل على وعي بالأساس الشرعي من وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع مسلم، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلب شرعي لقوله تعالى:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)، ومن الأدلة على شرعيتها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده .. الحديث"، وهذا الحديث يدل على عموم وجوب الاحتساب على كل أحد لا يخرج منه أي مسلم .
إذا، الاختلاف على شرعيتها والاجتهاد يكون في آلية أدائها لدورها في مجتمع معاصر يموج بآثار العولمة وتداعياتها، وهناك إضعاف مخطط له لبنية الأسرة المسلمة ولهذا لابد من تغييب لكل جهاز يعيد الأمور إلى نصابها ويسهم مع بقية أجهزة الدولة في الحفاظ على الأمن النفسي والاجتماعي والأخلاقي للجميع كما تحمي أجهزة الأمن المجتمع من اللصوص والمجرمين ومروجي المخدرات والرذائل، وبائعي الأعراض، والمتاجرة فيها تحت عدة شعارات يتم استيرادها من خارج المنظومة التشريعية لأي مجتمع مسلم خصوصا في ظل نداءات تقرير (مؤسسة الراند المشهور)! فمن الأحق أن يتبع تشريع الخالق سبحانه وتعالى؟ أم مهندسي المجتمعات الوضعيين الذين لا يبحثون إلا عن مسخ المجتمعات المسلمة بعيدا عن أي منظومة أخلاقية وتشريعية؟!
وعندما أتحدث عن هذا الهجوم على جهاز الهيئة لست مبالغة ولدينا مثالا قريبا عندما ضجت بعض الأقلام التي لاتجد مواضيع تكتب فيها إلا تصرفات رجال الهيئة، فعندما نشر خبر تركيب كاميرات مراقبة قيل إن الهيئة ستضعها بديلا عن جولاتها في الأسواق والمراكز التجارية. ضجت هذه الأقلام ونسيت أن جميع المراكز التجارية والسوبر ماركت التي تبيع الأغذية ومتاجر الكتب تضع هذه الكاميرات، بل جميع البنوك لديها هذه الكاميرات فما الفرق أن تقوم الهيئة بتركيبها أو أن يقوم البنك بذلك؟ فلماذا لم ترفض ولم يكتب عنها أنها تجسس، وأنها اقتحام لخصوصيات المشترين؟!
هذا مثال واضح للازدواجية في تقبل أخطاء جميع الجهات والأفراد وتصمت عنها الصحف، ولا يأتي التضخيم إلا عندما يذكر اسم (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)! وما استغربته أن مجلس الشورى من خلال بعض آراء أعضائه طالب بضم جهاز الهيئة إلى وزارة الشؤون الإسلامية ردا على هذه المعلومة!
وخيرا فعل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبد العزيز الحميّن توضيحا لفكرة الكاميرات مشيراً إلى أنها قوبلت بسوء فهم، وقال هناك "معلومة مغلوطة لدى الكثيرين عن كيفية تعامل رجال الحسبة مع الكاميرات، حيث إن هذا التعامل لا يكون إلا عبر رجال الأمن والسلامة الموجودين في الأسواق والمجمعات التجارية الذين يقومون بالمتابعة والرصد ويستدعون رجال الهيئة عند الحاجة وهذا حسبما هو معمول به في كثير من المجمعات التجارية في المملكة".
لكل هذا سعدت كما سعد قطاع كبير في المجتمع أن رعى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حفل بدء الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطتها الاستراتيجية، وأكد (أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأسست ووجدت ـ كما أمر الله ـ منذ الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة التي أسسها الملك عبد العزيز)، وقال سموه أيضا "أقدم شكري وامتناني لرجال الهيئة الحاليين والسابقين في جميع مناطق المملكة" هذا موقف سموه، حفظه الله، ودعمه لجهود هذا الجهاز هو المتكأ الأمني لنا جميعا.
إن جهاز الهيئة ومن خلال هذه الاستراتيجية الموفقة إن شاء الله التي تم توقيعها مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن من خلال مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في معهد البحوث في الجامعة، الذي سيقوم بعمل الاستراتيجية للهيئة.وكان لي شرف المشاركة في فعالياتها الأولي التي عقدت في الرياض يوم الثلاثاء الماضي .
الجامعة لديها كوادر متخصصة ومؤهلة لتصميم الاستراتيجية ضمن فريق مشترك بين الهيئة والجامعة.
وكما وضح مدير الجامعة الدكتور خالد السلطان أن الاتفاقية تهدف إلى نشر وترسيخ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يمثل منهج الوسطية والعدل وتوظيف التعاون المشترك لتعزيز وتفعيل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستفادة من إمكانات وخبرات الجامعة في مجال الدراسات والاستشارات والبحوث والتدريب وعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل والحلقات الدراسية المشتركة. كما أعلن الشيخ عبد العزيز الحمين الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على تأسيس كرسي الملك عبد الله بن عبد العزيز للحسبة، وموافقة النائب الثاني على تأسيس كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. ووضح أن الاستراتيجية تأتي من منطلق استشعار الأمانة الملقاة على عاتقنا من ولاة الأمر ولأهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولفت إلى أن الاتفاقية تشمل جوانب متعددة من أعمال الهيئة الميدانية والمكتبية والمالية، بهدف تطوير جهاز الرئاسة ومساعدتها على أداء رسالتها على الوجه الأكمل.

** أختم بما قرأته للدكتور عبد المحسن القفاري من منسوبي الهيئة منذ شهر وقوله المهم: (يموج الامتداد الجغرافي والحيز الفضائي بسيل جارف من الأفكار والمناهج والمدارس الفكرية والسلوكية والمعرفية والعقائدية، تسبح في فضاء الدول والشعوب كمصادر ثقافية شتى، بعضها يسعى للتأثير والانتشار والآخر جامد لكنه ضار. من هنا تواجه أمتنا ومجتمعنا السعودي على وجه الخصوص تحدياً معاصراً ذا شأن بالغ فالمملكة العربية السعودية برسوخ قيمها وعمق سياستها ودورها المحوري في العالم كونها قطب الرحى في إثبات حجية الإسلام ووجهه المشرق في العالم كل ذلك يملي علينا - أبناء هذا الشعب - أن نتحمل أمانة عظيمة يقتضيها انتماؤنا لهذه البلاد المباركة والأرض التي تحتضن الحرمين الشريفين والعقيدة الصافية والثقافة النافعة النقية، إنها تستوجب أن نظهر هذا الانتماء في كل موطن بشخصياتنا وصفاتنا ومنطقنا وأعمالنا تجسيداً لمكانتنا في الحضارة العالمية. نحن في حاجة لإظهار شعائر ديننا بما تحمله من صفاء التوحيد والعبادة والأخلاق التي جمعت شعوب الأرض على الإسلام منذ بزوغ شمسه وأن نستشعر قيمنا ونظهر الانتماء والتقدير والتعظيم المشروع لولاة أمرنا معرفة بحقوقهم علينا وتقديراً لعلمائنا وتقديرا لمثقفينا وكبارنا ووجهائنا والتراحم بيننا وأن نشتغل بالبناء والاستعداد بجسد الكيان الواحد المتلاحم الذي تتفتت أمامه كل الصعاب والأزمات والتحديات لنكون كما أراد الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}. فإذا لم نستطع تصدير الصناعة والتقنية فلنصدر القيم التي يفتقر إليها العالم فمن منا المستشعر لذلك المستعد لشهادة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وشهادة الملائكة واطلاع الله تعالى فوق ذلك؟! إنه انتماء له متطلبات وفيه مزايا نرجو أن نكون كلنا على قدر تحمله).
** أسأل الله أن يعيننا جميعا على أن نكون أوفياء على حمل الأمانة والرسالة العالمية لنا بصفتنا مسلمين، وأن يعين جهاز الهيئة على تحمل مسؤوليته الشمولية لأمن المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي