Author

الشفافية من أولويات سوق المال.. فهل هي متوافرة لدينا؟

|
قد يجد القارئ العادي غير المتخصص نفسه لأول وهلة عند تناول علاقة الشفافية بتطوير السوق ورفع درجة المستثمر فيها أمام علاقة تتصف بشيء من الصعوبة والاتساع في نفس الوقت. وتستمد هذه العلاقة الصعوبة التي تتسم بها من أن هناك كثيرا من العوامل والمحفزات التي تؤثر في تطوير السوق ورفع درجة ثقة المستمر فيها وليس من اليسير عزلها على قرار المستثمر في هذه السوق، كما ينبثق اتساع نطاق هذه العلاقة من غياب التحديد الواضح لمفهوم الشفافية وأهميته في تطوير سوق الأوراق المالية وتوفير ثقة المستثمرين، وبالتبعية جذب وتشجيع الاستثمار فيها. ولذلك فإن تناول علاقة الشفافية بتطوير سوق الأوراق المالية بشكل يؤدي إلى توفير ثقة المستمرين فيها هي في جوهرها تناول لدور القدرة الإخبارية للمعلومات التي توفرها السوق في تحقيق مفهوم سوق الأوراق المالية الكفء في ظل ما يعرف بفرضية السوق الكفء مما يمكن في النهاية من توفير المقومات التي تمكن هذه السوق من تأدية وظائفها بأعلى قدر من الكفاءة. وتتسم هذه العلاقة بأهمية خاصة بالنسبة للأوراق المالية السعودية فهي سوق يمكن القول بإنها مازالت حديثة من حيث التنظيم، وبالتالي يصبح تناول العلاقة بين القدرة الإخبارية للمعلومات وكفاءة سوق الأوراق المالية السعودية على درجة كبيرة من الأهمية للكشف عن جوانب القصور ومواطن القوة بين الشفافية وعلاقتها بتطوير السوق ورفع درجة كفاءتها بشكل يؤدي إلى توفير الثقة لدى المستثمرين بتقديم المعلومات المفيدة والنافعة لهم، وضمان استقرار السوق ونموها. فالشفافية تعد أحد المصطلحات التي شاع استخدامها أخيرا وعلى نطاق واسع في بيئة اقتصاديات المال والأعمال المعاصرة باعتبارها أحد التوصيفات التي ارتبطت بالجودة في تقديم المعلومات في السنوات الأخيرة وبشدة في الفترة مابعد فضيحة شركة إنرون الأمريكية للطاقة بسبب العديد من المخالفات والسلبيات التي ألمت بالأحداث والعمليات المالية والاقتصادية وعدم كفاية الإفصاح عنها، وأحد التوجهات المستقبلية أيضا في سوق الأوراق المالية للتعبير عن جودة المعلومات وعدالتها في الوقت الحالي كمقياس للحكم على القدرة الإخبارية للمعلومات التي تتيحها هذه السوق. فهي من منظور عام تعبر عن الشيء الواضح الذي يسهل فهمه والوصول إليه بشكل عادل من خلال معرفة ودراية تامة بكل ما يحدث وبشكل يفوق ما كان يحدث في السابق في آن واحد، وفي سوق الأوراق المالية يجب أن تعبر الشفافية عن الجودة والعلانية في عرض وتقديم المعلومات المتعلقة بكافة الأحداث والمعاملات المالية والاقتصادية لكافة الأطراف المتعاملة ذات المصلحة بشكل عادل يحقق لهم المعرفة والدراية التامة بكل ما يحدث ويكون قابلا للفهم في نفس الوقت. ومن هذا المدخل أصبحت الشفافية في سوق الأوراق المالية مفهوما يهدف أساسا إلى تحقيق أفضل درجات الاكتمال وأعلى مستويات الجودة باعتبارها معيارا بالغ الأهمية في تقييم المعلومات التي توفرها هذه السوق من وجهة نظر المتعاملين من المستثمرين والأطراف أصحاب المصلحة، وتتمثل هذه الجودة في تحقيق أعلى مستويات الفهم والسهولة للأحداث والمعاملات المالية والاقتصادية الجوهرية الحالية والمستقبلية المتوقع حدوثها وتقديم الرؤية المستقبلية للأداء المالي والاقتصادي للمنشآت المدرجة والمتداول أسهمها في هذه السوق. وكما هو معروف بين أوساط المتخصصين في هذا الشأن بأن سوق الأوراق المالية تتسم بحكم طبيعتها بخصائص مهمة تجعل منها القوة ذات التأثير في جذب أطراف عملية الاستثمار إليها بالشكل الذي يحقق في النهاية النمو المتوازن والفعال كنتيجة لما تحدثه هذه السوق من توزيع متوازن وفعال للموارد على فرص الاستثمار، فهي السوق القادرة على توفير العديد من فرص الاستثمار المتنوعة من ناحية الأهداف والمخاطر وحجم الاستثمار ونوعه بالشكل الذي يجعلها تتمتع بقدرة خاصة في توفير احتياجات الأموال الباحثة عن فرص استثمار، ومن ناحية أخرى فإنها تتصف بالحرية والمرونة والسرعة في التداول بما يجعل من عملية تحويل الأموال إلى استثمارات والعكس عملية سريعة وسهلة ومرنة في نفس الوقت. وبالرغم من الخصائص التي تتسم بها سوق الأوراق المالية فإنها لا تستطيع أن تؤدي الدور الواعد لها في جذب الاستثمارات إليها وتحقيق التوظيف الفعال والمتوازن للموارد دون توافر العديد من المقومات، ومن أهم هذه المقومات تلك التي يرتكز عليها تقدير العوائد المتوقعة والمفاضلة بين فرص الاستثمار والمخاطر إنها بلا شك القدرة الإخبارية للمعلومات اللازمة أو الشفافية في المعلومات التي تتيحها هذه السوق لمستخدميها لأغراض اتخاذ العديد من نماذج القرارات ومن أهمها القرار الاستثماري في الورقة المالية. فالمعلومات تعتبر إحدى أكثر المقومات الأساسية الواجب توافرها والتي تجعل من سوق معينة للأوراق المالية أكثر مقدرة عن غيرها من الأسواق الأخرى المنافسة لها على جذب وتشجيع الاستثمارات إليها من خلال قدرتها على توفير المحتوى الكامل من المعلومات المؤثر في قرارات المتعاملين في هذه السوق، فإذا ما تحقق ذلك تتدنى المخاطر وتصبح الأسعار الجارية للأوراق المالية هي ناتج الاستخدام الكفء لجميع المعلومات لتتحدد الأسعار بهذا الشكل عند نقطة توازن تجعل من السعر أفضل تقدير لمنفعة هذه الأصول المالية. فالمستثمر الرشيد يختار الاستثمار الذي يحقق له أكبر منفعة متوقعة ويكون على استعداد لتقبل مخاطر استثمار أكبر مقابل الحصول على منافع أكثر في ظل توافر جميع المعلومات المؤثرة في أسعار الأوراق المالية الخاضعة للتداول في السوق لجميع المتعاملين في نفس التوقيت، إذ إن زيادة المخاطر الناتجة عن الاعتماد على معلومات غير كاملة وغير مؤثوق بصدقها ولا تستوفي متطلبات الجودة قد يؤدي به إلى الدخول في دائرة الاختيار العكسي للاستثمار. ومن هذا المنطلق فإن الشفافية في المعلومات تعتبر إحدى الركائز الرئيسية المهمة الواجب توافرها حتى تكتسب سوق الأوراق المالية ثقة المتعاملين وتصبح مشجعة للاستثمار فيها، فعملية تشجيع الاستثمار في السوق كما هو معلوم تعتمد على العديد من العوامل والمحفزات مثل السياسات المالية والنقدية والمؤشرات الاقتصادية العامة وخطط التنمية، ومع ذلك فإن هذه العوامل والمحفزات لا تنتج تأثيرها فيما يتعلق بتطوير السوق ورفع درجة كفاءته في ظل غياب أو نقص المعلومات اللازمة للمتعاملين أو تدني مستوى جودتها. وبالتالي فإن نمو هذه السوق وتطورها يعتمد في المقام الأول على ما تتمتع به هذه السوق من قدرة إخبارية للمحتوى من المعلومات المتاح للمتعاملين لتحدث تأثيرها في سلوك المستثمر فيما يتعلق بقراراته الاستثمارية ونقص هذا المحتوى أو تدني مستوى جودته يؤدي إلى اختفاء بعض جوانب الأداء لبدائل الاستثمار المتاحة وقد يؤدي بالمستثمر إلى توجيه استثماراته الوجهة الخاطئة معتقدا أنه قد وجهها في المسار الصحيح. ومع ذلك يظل هناك سؤال مهمة مازال يبحث عن إجابة – هل استطاعت الشفافية في المعلومات بالفعل تحقيق التأثير الإيجابي لها في تطوير السوق ورفع درجة ثقة المستثمرين فيها، وبالتالي ضمان جذب وتشجيع الاستثمار في هذه السوق ؟ طبقا لذلك يمكن القول إن هناك عددا من القضايا و/ أو المشكلات المهمة التي مازالت عالقة أمام الشفافية وتشكل عائقا يحد من قدرتها على تطوير السوق ورفع درجة كفاءتها بشكل يؤدي معه إلى توفير الثقة لدى المتعاملين من المستثمرين، ومن هذه القضايا أو المشاكل قضية التوازن بين المصالح المتعارضة في المعلومات المتاحة. فمن المتعارف عليه أن الشفافية في سوق الأوراق المالية تتأسس على توفير محتوى من المعلومات يتسم بخصائص معينة، ويعتبر هذا المحتوى بما يتوافر فيه من خصائص معينة للمعلومات هو القوة التي تكتسب منها الشفافية قدرتها على التأثير في منفعة المعلومات، وأحدى هذه الخصائص التي ارتبط ظهورها بالاتجاه نحو تحقيق الشفافية في سوق الأوراق المالية هي خاصية التوازن في المعلومات المتاحة لأصحاب المصالح المتعارضة. وقد يبدو لأول وهلة أن هذه الخاصية تتشابه لحد كبير مع موضوعية المعلومات أو خلوها من التحيز إلا أنهما في واقع الأمر يختلفان جذريا، فالموضوعية والبعد عن التحيز تعني صدق المعلومات في التعبير عن الأحداث المالية والاقتصادية أو التعبير عما يجب أن تعبر عنه. أما قضية التوازن في المعلومات المتاحة للمستخدمين متعارضي المصالح فإنها تتعلق بغياب التوازن فيما يتعلق بمستوى اكتمال المحتوى من المعلومات المتاح لكل من المستخدمين من أصحاب المصالح المتعارضة، فقد يتصف المحتوى من المعلومات المتاح للاستخدام باستيفاء متطلبات الحياد والخلو من التحيز في القياس ومع ذلك يغيب عنه التوازن في المحتوى من المعلومات المتاح لكل منهما، إنها قضية المحتوى من المعلومات المؤثرة في أسعار الأوراق المالية الخاضعة للتداول في السوق والمتاح لأطراف أو فئات معينة وذلك المحتوى من المعلومات الخاص بنفس المعاملات التي حدثت في السوق المتاح لأطراف أو فئات أخرى تتعامل في نفس السوق، ولكن هذا المحتوى غير كامل بالنسبة للفئات الأخرى ( بمعنى حصول فئات أو أطراف معينة في السوق على معلومات تختلف في حجمها ونوعيتها عن تلك المعلومات التي تحصل عليها أطراف أخرى تتعامل في نفس السوق )، إذ تتوافر لهذه الأطراف أو الفئات ميزة الحصول على معلومات تكون عادة غير متاحة للأطراف أو الفئات الأخرى المتعاملة في نفس السوق مما يترتب عليه خلل في التوازن بين المعلومات المتاحة لكل منهما. وتشكل هذه القضية أكثر القضايا التي تواجه تحقيق الشفافية والوصول إليها في سوق الأوراق المالية تعقيدا وخطورة بصفة عامة. إذ إنها من ناحية، تقف عائقا أمام تحقيق الجودة والعدالة في المحتوى من المعلومات المتاح لجميع المتعاملين في سوق الأوراق المالية على قدم المساواة لتظل هناك ميزة يحصل عليها بعض المستخدمين أو المتعاملين ولا تكون متاحة لغيرهم. ومن ناحية أخرى فإن حلها يتسم بدرجة كبيرة من التعقيد، إذ سيقاوم هؤلاء المتعاملون الذين يتمتعون بميزة خاصة في الحصول على المعلومات التنازل عن هذه الميزة لتصبح هذه المعلومات متاحة للجميع. أنها قضية تتعلق بما يعرف " بالمعلومات الخاصة " ومقاومة المتعامل في السوق الذي يحصل عليها باعتباره صاحب ميزة الحصول عليها دون غيره من المتعاملين لكافة الجهود التي تجعل منها متاحة لأغراض الإفصاح العام لجميع المتعاملين في السوق على قدم العدل والمساواة فيما بينهم.
إنشرها