منسوبو الخدمة المدنية الحلقة الأضعف

المتغيرات العالمية اليوم تفرض متغيرات داخلية يأتي على قائمتها الاهتمام بتطوير المؤسسة الحكومية حتى تتواكب مع التطوير الذي يشمل مختلف قطاعات الدولة.
وإذا كانت القيادة أحسنت النظر إلى تطوير مختلف قطاعات الدولة مثل القطاع الأكاديمي والخاص والنظر بشكل أكثر اتزانا نحو القطاع الصحي والتعليمي. كما أن هناك رؤية تنظر بعين الحرص على تطوير القطاع العسكري, كل هذا الاهتمام ينطلق من الإحساس بأهمية تكامل قطاعات الدولة المختلفة الحكومي والخاص والأكاديمي والإعلامي والخيري.
إن النظر إلى المنظومة التي تتمثل فيها حلقات التطوير ضمن قطاعات الدولة. نجد أن القطاع الحكومي ينقسم إلى عديد من القطاعات المساعدة التي نالت وتنال نصيبها في مجال التطوير والاهتمام باستقطاب الكفاءات ورفع المكافآت والحوافز والمغريات التي تحافظ على بقاء الكفاءات ضمن تلك القطاعات لضمان حسن العطاء والتطوير والمنافسة ولكن هناك قطاعا ضمن هذه القطاعات الثانوية يمثل العصبة للمؤسسة الحكومية هو القطاع المرتبط بوزارة الخدمة المدنية أو ما يمكن تسميتهم موظفي أو منسوبي الخدمة المدنية.
موظفو أو منسوبو الخدمة المدنية الممثلون للشريحة الكبرى والأكثر تأثيرا في تطوير عمل المؤسسة الحكومية يعدون اليوم الحلقة الأضعف ضمن قرنائهم في المؤسسة الحكومية أو المؤسسات الأخرى, لأنهم الأقل نصيبا في تطوير قدراتهم ودعمهم بالحوافز المادية والفنية والتدريبية والدعم الأكثر أهمية هو الحرص في هذا القطاع على إبقاء الكفاءات ضمنه أولا ثم استقطابها له ثانيا, لأن المشاهد اليوم لهذا القطاع يجده قطاعا طاردا للكفاءات ويتحول مع الوقت إلى مؤسسة للضمان الاجتماعي يغلب على غالبية إن لم يكن كل مسؤوليه والعاملين فيه التراخي في العمل وضعف الولاء له وجعله وسيلة للعيش البسيط والاهتمام الأبسط والعطاء المعدوم والانتماء الضعيف وهو ما تؤكده كل الدراسات التي تمت على موظفي أو منسوبي الخدمة المدنية خلال السنوات الماضية.
إن نظرة متأنية إلى هذا الجزء المهم من القطاع الحكومي تمكننا من أن نعرف أسباب عدم تفاعله مع بقية الأجزاء من القطاع الحكومي أو القطاعات الأخرى في الدولة, فالرواتب مثلاً لم تتغير منذ عام 1402هـ وكل الزيادات التي تمت خلال السنوات الماضية زيادات بسيطة لا تتواكب مع الزيادة المطردة في المعيشة وتغير متطلبات الحياة, بحيث أصبح راتب منسوبي الخدمة المدنية لا يغطي 10 في المائة من الاحتياج الأساسي للمعيشة, ولهذا السبب وأسباب أخرى أصبحت المؤسسة الحكومية المرتبطة بنظام الخدمة المدنية طاردة للكفاءات وغير جاذبة لأخرى جديدة, وتحولت الوظيفة إلى أداة لتحقيق متطلبات الموظف وليس أداءه لتحقيق متطلبات الوظيفة, وهنا ظهر الترهل والبيروقراطية والفساد الإداري, وهذه العوامل الثلاثة متى ما ظهرت في أي مؤسسة فهي كفيلة بقتلها وقتل أي عطاء داخلها فهي مثل مثلث برمودا كل داخل لها مفقود وليس لها خارج حتى يكون مولودا.
إن الترهل والبيروقراطية والفساد الإداري اليوم منتشرة داخل هذا الجزء من المؤسسة الحكومية بشكل لم يعد خافيا على الكبير والصغير, المسؤول وغير المسؤول, وهو حديث الجميع, والفساد هنا بالذات لا يعني الفساد المادي فقط ولكن فساد العطاء والتطوير والحرص على الانتقال بالمؤسسة الحكومية إلى مستوى أفضل ومنافس لمختلف مؤسسات الدولة.
إذا كنا نرغب صادقين في الارتقاء بعمل مختلف مؤسسات وقطاعات الدولة المختلفة فلا بد أن نكون جريئين في فتح ملف منسوبي الخدمة المدنية ونعيد النظر فيه بكل الأبعاد التي تحقق تطويره ومن ذلك مثلا نظام التعيين والإعفاء والفصل, وأن العمل ضمن هذا القطاع ليس الأساس فيه الحصول على راتب أو دخل أو مكافأة وفقاً لما يحصل عليه منسوبو الشؤون الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي أو المتقاعدون وإنما العمل في هذا القطاع أساسي وحيوي ويتطلب العطاء المتميز والمنافسة الشريفة التي ترتقي به لمنافسة قطاعات الدولة, خصوصا أنه الأكثر تأثيرا فيها وعليها, والأنظمة المالية لا تحقق أيا من أهداف التطوير, والأمر الآخر هو إعادة النظر في سلم الرواتب والمكافآت والبدلات, خصوصا أن أكثرها تم إيقافه أو الحد منه منذ عام 1405هـ, وهذا الأمر فعلا يحتاج إلى دراسة متأنية ولكن عاجلة حتى يمكن إدراك ما يمكن إدراكه من تطوير, أما قضايا التأهيل والتدريب فلها رحلة مع مقال آخـــر.
إن فتح ملف منسوبي الخدمة أصبح اليوم مطلبا ضروريا قبل فوات الأوان, ما يصعب تقديم الحلول, ويتحول هذا القطاع المترهل حاليا إلى جبل ثقيل يصعب تحريكه, أو ربما بلغة العصر, جلطة تصيب المخ وتشل كل أجزائه, أسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن تكون الرسالة واضحة والغاية نبيلة والطموح شرعيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي