هل يعتقدون أننا أغبياء ؟؟
إشاعات الزئبق التي سبق أن انتشرت انتشار النار في الهشيم كما يقال، وما تلاها من ارتفاع أسعار ماكينات الخياطة كما نشر في الصحف، ولا أعلم مدى المصداقية في تلك الأرقام التي قيل إنها كانت ثمنا لبيع بعض هذا النوع من ماكينات الخياطة. في تلك الفترة أصبحنا موضع تندر من دول الجوار أن بعض المواطنين هنا لديهم هذه الهشاشة في التفكير والمنطق أن يصدقوا كل إشاعة، وفوجئت بأن إحدى الحاصلات على شهادة عليا كانت تتحدث بحماس عن هذه الواقعة وكأنها حقائق!! وكنت أحاول الوصول معها في ذلك الحوار إلى المنطق الذي استمدت منه هذه القناعات!! خصوصا أنها كانت تتأسف لبيعهن ماكينة الخياطة الخاصة بوالدتهن بعد وفاتها قبل هذه الأحداث!!
تلك الشائعات وتلك السلوكيات التي لم تتوقف إلا بعد صدور أوامر بمنع بيع الماكينات من ذلك النوع بأسعار خيالية منعا لمزيد من وقوع (الاستغفال) !!
كانت مؤشرا إلى أن هناك خللا في المنظومة الذهنية ومستوى الوعي الجمعي لقطاعات من شرائح المجتمع.
كنت أحاول في تلك الفترة وما قبلها أن أتساءل عن مسؤوليتنا جميعا في نشر الوعي المجتمعي الذي يمنح الأفراد القدرة على تمحيص ما يقرؤون أو يسمعون. فالمجتمعات المتخلفة هي التي تسمح بنشر الشائعات فيها لأن الأفراد بسيطي التفكير تتغلب عواطفهم على المنطق في تصرفاتهم وسلوكياتهم.
ونعرف أن الشائعات سلاح قوي يستخدم غالبا من أناس يملكون المقدرة على نشرها وتغليفها بالمصداقية كما يحدث أثناء الحروب من نشر معلومات كاذبة لخدمة تحقيق أهداف معينة لمصلحة العدو.
أيضا تنتشر الشائعات لخدمة جهات تجارية لطرد سلع منافسة من الأسواق كي تبقى مرحلة التفرد التجاري للجهة صاحبة المصدر الحقيقي للشائعة. وكانت مسلسلات غوار الطوشة (دريد لحام) السابقة تحكي عن دور الشائعات في إحداث بلبلة لدى الجماهير، ورغم أنه هو الذي اخترعها إلا أنه صدقها عندما وجد الآخرين صدقوها. وما نتسلمه حاليا عبر البريد الإلكتروني من خطابات بأعداد كبيرة من جهات وأشخاص من دول في قارة إفريقيا والآن امتدت مساحتها إلى دول في أوروبا، تمثل نوعا من هذه الأكاذيب والحيل, وجميعها تتحدث عن تلك الأموال الطائلة التي تركها أحد الأثرياء وأن زوجته أو ابنتها أو أي فرد قاصر في تلك العائلة يبحث عمن يساعده على تحويل تلك الثروة الباهظة من دولته إلى حساب من يتلقى هذه الرسائل الإلكترونية وبالطبع يكتبون الرسالة أسلوب يتفق ومنظومتنا الشرعية، ويوحي بأن هذه الثروة هي مال حلال !! وأنهم على استعداد لمنح من يقوم بهذه المهمة نسبة مغرية من الثروة!! في حالة أن الأموال تم نقلها إلى حسابه بعد موافقته وتزويدهم برقم حسابه الخاص، أي إلى هؤلاء الباحثين عن منقذين لهم لدينا.
وأستطيع أن أكتب روايات من تلك الخطابات التي تصلني يوميا على بريدي الإلكتروني، وما تحويه من قصص وأخبار توحي بأن مرسلة الرسالة هي في محنة ولا بد من منقذ أرسله الله لها !! وأنها وجدت بريدي وأنها تتوسم مني هذه المساعدة التي ستجعلها تتخلص من الأعداء الذين سيستولون على أموال والدها أو زوجها الذي غالبا يختارون لنهايته أما كارثة احتراق الطائرة التي كان يسافر عليها وإما موته بمرض عضال !! وأن هذه الأموال في البنوك الأجنبية التي ستستولي على هذه الأموال وتصرفها في قنوات غير شرعية!!
آخر هذه المهازل رسالة من إحداهن تذكر أنها أميرة في إحدى القرى الإفريقية!! وأن والدها توفي تاركا لها ثروة بملايين الدولارات وأن أخاها الصغير لا يستطيع أن يتصرف في هذه الثروة وفقا لما هو الحال في تلك القرية، وأن أقربائها سيستولون عليها إذا لم أنقذها بإرسال موافقتي على تحويل هذه الثروة على حسابي وبالطبع ستمنحني نسبة لا تقل عن 34 في المائة من هذه الملايين من الدولارات!!
بالطبع هذه الرسائل إما أن أصحابها عصابات لتبييض الأموال! وإما عصابة تستغفل البسطاء هنا وهناك ووجدت ضالتها في البعض هنا.
نعود مرة أخرى لنتساءل معا ما: دور وسائل الإعلام لدينا لتوضيح خطورة هذه الرسائل وإن من الأهمية عدم التجاوب وليس فقط عدم التصديق؟
فإذا وجدنا بيننا من صدق إشاعات الزئبق الأحمر إما لتحضير الجان ليدلهم على مكامن الكنوز والثروات المخبأة تحت الأرض أو في المنازل القديمة، وهي الطريقة الأسهل للثراء، والتي مرة أخرى للأسف نجد أن بعض المحللين والتربويين من دول عربية أصبحوا يتندرون بهذه الوقائع ويعتبرونها نوعا من الجهل الذي لم يغيره وجود (النفط)!!
أقول إذا ما فوجئنا بتلك المساحات من انتشار تلك الشائعة، أفلا نخشى أن نجد من يصدق هذه الرسائل (المهزلة)؟؟
أيضا قد يصدق الرسائل الأخرى التي توحي بأن مستقبل الرسالة عبر بريده الإلكتروني قد فاز بملايين الدولارات في مسابقات اللوتاري (الحظ)، وهي كما نعرف نوع من القمار، أو هناك اختيارات لمستخدمي نوع من الجوالات وقد وقع الاختيار عليهم ليفوزوا بمبالغ مالية أو أجهزة جوال حديثة، وما عليه إلا إرسال معلوماته الكاملة كي يتم تحويل المبالغ التي فاز بها من هذه المسابقات الوهمية بالطبع، على حسابه البنكي .
قد يعلق أحدهم بأن هذه الرسائل تصل للجميع وأنهم يحسنون التعامل معها، وبالتالي هي لا تشكل هاجسا مجتمعيا، لكن أجدني أوضحها كي نقف جميعا أمام انتشارها برفضها أولا ثم بتوضيح مدى خداعهم وكذبهم، وأن نحدث وعيا مهما في هذا الجانب الخطير.
** اتكاءة الحرف
ونحن نسعى إلى الحوار مع الآخر نجد أن هذا الآخر يعتبر أن من يحب الإسلام خطرا على أمنه !! فقد ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية منذ أيام قضية فانسون غيسار الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي وهو أيضا باحث سياسي في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي الذي اتهم بما سمي "حبه للإسلام" وأنه تعرض للمراقبة من قبل أجهزة الدولة في فرنسا تحت غطاء محاربة الإرهاب. والتهمة الموجهة هي "خرق قوانين العمل"، ودليل إثبات التهمة كتابه "الإسلاموفوبيا (كره الإسلام) الجديدة".
وتحدثت الصحيفة عن شخص يدعى جوزيف أيلون يشغل منصبا يسمى (موظف أمن الدفاع)، وتتمثل وظيفته في مراقبة أعمال الباحثين بهدف تشخيص أي شيء يمكن أن يكون خطرا على أمن فرنسا ودفاعها. حيث صرحت الباحثة فرنسواز لوسري بأن إيلون يتمتع بنفوذ حقيقي فأي باحث إذا ما سافر في مهمات للخارج إلى بلدان حساسة يكون مجبرا على إطلاعه على برنامج عمله، ومن هم الأشخاص الذين سيقابلهم، وأين سيسكن، ولا بد من حصوله على تفويضه بالسفر!!. ووضح الباحث السياسي كلود روا وهو مختص في دراسات العالم الإسلامي والعربي أن "هذه المراقبة عبارة عن هجمة منظمة تشن ضد الباحثين الذين يرفضون الآراء المسبقة عن الإسلام". وتحدث روا عن حادثة وقعت معه عامي 2007 و2008 عندما "تلقى رسالة إلكترونية من كبير موظفي الدفاع يلومه فيها على معاملة الإسلام بطريقة أرقى من المسيحي!!
لا تعليق !!