فرص تقوية العلاقات الاقتصادية السعودية ـ الأمريكية

كانت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأولى للسعودية، تأكيداً على أهمية العلاقات الثنائية، التي تربط بين واشنطن والرياض على مختلف الأصعدة والمجالات والأنشطة الحياتية، السياسية منها والثقافية والاجتماعية، والاقتصادية.
تجدر الإشارة إلى أن تاريخ العلاقات الثنائية الدبلوماسية والاقتصادية وإلى غير ذلك بين السعودية وأمريكا، يعود إلى أكثر من ستة عقود من الزمان، عندما أسس لها المغفور له ـ بإذن الله ـ الملك عبد العزيز خلال اللقاء التاريخي الذي جمع بينه وبين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر الطرادة الأمريكية "يو إس كونسي US Quincy"، في عام 1945، عند مرورها بقناة السويس في منطقة البحيرات المرة، كما قد سبق ذلك اللقاء التاريخي، توقيع البلدين على اتفاقية مؤقتة في عام 1933، لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، التي اشتملت آنذاك على عدد من البنود المرتبطة، بتوطيد العلاقات التجارية بين البلدين.
إن تلك الاتفاقية المؤقتة بين البلدين دون أدنى شك، كانت بمثابة منعطف رئيس بالنسبة إلى العلاقات التجارية والاقتصادية التي تربط بين البلدين، ولا سيما أنها قد نجحت في تأسيس اللبنات الأساسية لبدء مرحلة جديدة من العلاقات التجارية والاقتصادية المؤسساتية، عندما منحت المملكة خلال العام نفسه شركة "ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا الأمريكية"، حق امتياز التنقيب والبحث عن النفط في السعودية.
جهود اللجنة السعودية ـ الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين، التي أنشئت في عام 1974، وكذلك جهود مجلس الأعمال السعودي ـ الأمريكي، أحدثت نقلة نوعية في حجم العلاقات التجارية والاقتصادية، التي تربط بين السعودية وأمريكا، لكونها قد أسهمت بشكل ملحوظ، في تطوير تلك العلاقة عبر الوقت، وبالذات عندما وقع البلدان في عام 2003، على اتفاقية لتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية فيما بينهما، وعندما وقعا كذلك في عام 2005 في واشنطن على الاتفاقية الثنائية الخاصة بالنفاذ للأسواق في قطاعي السلع والخدمات.
الجهود الكبيرة التي بذلت من جانب الحكومة السعودية ومن جانب الحكومة الأمريكية، بما في ذلك من جانب القطاع الخاص بالبلدين، جعلت أمريكا أكبر مستثمر مباشر Foreign Direct Investment - FDI، في السعودية، بحجم استثمارات سجلت نسبة أكثر من 25 في المائة من حجم الاستثمارات الأجنبية في السعودية، كما قد نما حجم التجارة بين البلدين من مبلغ 160 مليون دولار أمريكي في عام 1970، إلى أكثر من 46 مليار دولار أمريكي في عام 2007، وبلغ عدد المشاريع الأمريكية الاستثمارية المشتركة في السعودية نحو 360 مشروعا، بقيمة تتجاوز مبلغ 20 مليار دولار أمريكي، وارتفعت واردات المملكة من الولايات المتحدة إلى أكثر من 12.3 مليار دولار أمريكي، في حين بلغت صادرات المملكة للولايات المتحدة مبلغ 39.2 مليار دولار أمريكي في عام 2007.
رغم ما شهدته العلاقات الاقتصادية والتجارية السعودية ـ الأمريكية من تطور كبير خلال العقود الماضية، إلا أنه ـ في رأيي ـ لا يزال هناك مجال كبير لتطوير تلك العلاقات في مجالات وفرص استثمارية واقتصادية وتجارية عديدة، التي لم تطرق أبوابها بعد من الجانب السعودي Untapped Business Opportunities، أنها لم يتم التركيز على تنميتها بالشكل المطلوب، التي لعل من بينها على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة إلى السعودية، مجالات البحث العلمي، وتقنية المعلومات، والتعليم، والطاقة، والصحة، والإعلام، والزراعة، والسياحة، وتنمية الموارد البشرية، والمقاولات وإلى غير ذلك من القطاعات والأنشطة الاقتصادية، ولا سيما أن الولايات المتحدة، لا تزال القوة الاقتصادية العظمى على مستوى العالم، كما أنها لا تزال الدولة الأولى على مستوى العالم، التي تمتلك المعرفة Know-how في تلك المجالات.
من هذا المنطلق في رأيي تحتاج الجهود المبذولة من قبل حكومتي البلدين (السعودية وأمريكا)، وكذلك اللجنة السعودية ـ الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين، ومجلس الأعمال السعودي ـ الأمريكي، وهيئات الاستثمار والغرف التجارية في البلدين، إلى أن تتضاعف خلال المرحلة المقبلة، لبحث واستكشاف فرص تجارية جديدة بين البلدين، تعمل في نهاية المطاف على تعزيز وتقوية العلاقات التجارية والاقتصادية فيما بين البلدين، بشكل أكبر وأوسع مقارنة بأي وقت مضى، بما يتناسب مع حجم اقتصاديهما، بالذات وأن الاقتصاد السعودي والاقتصاد الأمريكي، يمتلكان عديدا من المقومات والقواسم المشتركة المساعدة على ذلك، حيث إن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يحتل موقع الصدارة على مستوى العالم من حيث الحجم، بإجمالي حجم ناتج قومي يتجاوز مبلغ 14 تريليون دولار أمريكي، والاقتصاد السعودي لا يزال يحتل موقع الصدارة على مستوى الاقتصاد العربي بحجم ناتج محلي يبلغ نحو 450 مليار دولار أمريكي، كما أن البلدين عضويان بارزان ورئيسان في منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين، مما سيساعد على تحقيق ذلك الهدف بالشكل الذي يعود بالنفع الشامل وعموم الفائدة على البلدين وشعبيهما، ولعلي أقترح في هذا الخصوص أن يتم استحداث تحالف بين البلدين على غرار تحالف مجموعة السبع، ومجموعة الثماني، ومجموعة العشرين، لتحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة بين البلدين، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي