شراء القروض العقارية.. ما لها وما عليها
أعلن وزير المالية قبل عدة أيام أن المملكة تعتزم تأسيس شركة لشراء القروض العقارية من المؤسسات المالية، على غرار الجمعية الاتحادية للرهن العقاري الوطني والمعروفة بشركة فاني ماي الأمريكية، والمساعدة على تطوير أسواق محلية للسندات والصكوك. وهذه الخطوة ذات هدفين: أحدهما اقتصادي صرف: لإيجاد تكامل في الدورة الاقتصادية، والآخر اجتماعي- اقتصادي: لدعم قطاع تمويل الإسكان لتوفير القروض الميسرة للمواطنين، وهو ما يعنينا في هذه المقالة، وأرغب في نقاشه مع القراء الكرام، خصوصاً أن تأسيس الشركة سيتزامن مع سن أول قانون للتمويل والرهن العقاري والمتوقع تفعيله وتطبيقه - كما صرح الوزير - قبل نهاية العام.
مما لا شك فيه أن تأسيس شركة لشراء القروض العقارية سيعمل على تقديم ضمانات للمصارف ولشركات التمويل، وتخفيض مخاطرها، وتوفير السيولة اللازمة لهم لتقديم القروض بشكل أكبر، وربما بتسهيلات أفضل، ومن ثم تمكين أعداد أكبر من المواطنين من امتلاك المساكن بالتقسيط، وهذه خطوة إيجابية ومحركة لسوق الإسكانية، وفي الاتجاه الصحيح. ولكن يجب التنبه إلى أن تيسيير توفير القروض العقارية للمواطنين الراغبين في امتلاك المساكن لن يحصل من دون ظهور عدد من الآثار السلبية الجانبية. وستظهر أول هذه السلبيات نتيجة لزيادة السيولة النقدية المصاحبة لتوافر فرص التمويل، ويتوقع أن تكون بمبالغ تفوق حجم المعروض من الوحدات السكنية، وهو ما سيدفع بسوق الإسكان إلى التضخم، وسيعمل على رفع أسعار المنتجات الإسكانية المعروضة للبيع بما يفوق قيمتها. أما السلبية الثانية فستظهر نتيجة قيام غالبية المصارف ومؤسسات التمويل بتشجيع المواطنين واستقطابهم للحصول على قروض لشراء مساكن حتى ولو كانت بأكثر من قيمتها الحقيقية، أو كانت إمكاناتهم المالية لا تسمح لهم بالحصول عليها، ولا سيما أن تكلفة غالبية المساكن المعروضة في السوق أو التي في مرحلة التطوير تفوق متوسط دخل الأسر السعودية، ويجب التذكير هنا بمصيبة توريط البنوك لأعداد كبيرة من المواطنين بقروض لدخول سوق الأسهم، وتداعياتها التي يعاني كثير تبعاتها إلى يومنا هذا.
ولضمان تجنب السلبيات المصاحبة لتيسيير توفير القروض العقارية للمواطنين يلزم العمل بجد على تشجيع قطاع تطوير الوحدات السكنية الميسرة وتقديم التسهيلات له، مثل: تعديل تنظيمات البناء واشتراطاته بما يمكن المطورين من توفير مساكن ذات تكلفة منخفضة ومتوافقة مع متوسط دخل الأسر السعودية، وسن الاشتراطات وتقديم المحفزات المشجعة للمطورين على تخصيص نسبة جيدة من المشاريع الإسكانية لتوفير المساكن الميسرة. كما يتعين إيجاد مؤشر عقاري دقيق لسوق الإسكان يرتكز على نظام فاعل ودقيق للتقييم العقاري للمساكن بطرائق تقييم قانونية موحدة تحدد قيمتها السوقية، وإلزام جهات التمويل العقاري باعتمادها. والعمل كذلك على توفير برامج الادِّخار والاستثمار التي تشجع المواطنين على الادخار من أجل المسكن منذ وقت مبكر في حياتهم الوظيفية، وتمكينهم من استخدام المبلغ المدَّخر - بعد ذلك - بصفته دفعة أولية لازمة للحصول على القرض؛ لأن برامج الادِّخار تُعدُّ عاملاً أساسياً للتوفير، ولتدريب المقترضين على الالتزام بسداد الأقساط المستحقة عليهم بانتظام.