أوباما.. وصراخ الموت لأمريكا!

ما كاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما يترك منصة الخطابة في جامعة القاهرة، بعد أن ألقى خطابه الموجه للعالم العربي والإسلامي، حتى توالت ردود الأفعال التي تعلق على مضامين الخطاب من كل حدب وصوب، غير أن اللافت في تلك الردود هو ما صدر عن بعض الأنظمة والأحزاب التي تلتحف عباءة الممانعة، والتي راوحت تعليقاتها ما بين وصفه بالإنشائي، أو أنه نوع من البروباغندا أو حملة العلاقات العامة لتحسين وجه أمريكا في العالم الإسلامي بعد سنوات ما سُمّي بالحرب على الإرهاب، وبين الحديث عن الأفعال، بذريعة أننا لسنا بحاجة للأقوال، والذي استمع إلى تلك التعليقات يعتقد أنها ربما صدرت عن ناخب أمريكي أسهم بصوته في إدخال الرئيس الأمريكي إلى المكتب البيضاوي، إلا أن هذا الأخير خيّب ظنه بهذا الخطاب، متجاهلين أن من يُحدثهم إنما هو رئيس القوة العظمى في العالم، التي لا يُمكن أن تضع أيّ أولوية فوق مصالحها مهما كانت أهمية تلك الأولوية.
ناسين أو متناسين أن أيّا من الرؤساء الأمريكيين منذ هاري ترومان وحتى بوش الابن، لم يسبق لأي منهم أن تجرّا على طرح مثل هذه المقاربة مع العالم العربي والإسلامي بمثل هذه الصورة، وأن من حاول منهم أن يفعل ذلك، فإنه لم يفعل إلا وهو يجمع أوراقه استعدادا لمغادرة البيت الأبيض لانتهاء ولايته، في حين أن الرئيس أوباما قدّم خطابه وهو على بعد خطوات قليلة من انتهاء المائة يوم الأولى من فترته الرئاسية، وأمام واحدة من أشرس الحكومات الإسرائيلية وأكثرها تطرفا بزعامة نتنياهو ووزير خارجيته الأكثر تشددا ليبرمان.
لسنا في وارد الدفاع عن إيجابيات خطاب الرئيس أوباما، ولا أمريكا كقوة تتفرد بالقرار الدولي في حاجة إلى مثل هذه الخدمات، لكننا نريد أن نحاول أن نستعيد قراءة الواقع السياسي العربي والإسلامي في بعض جوانبه بشيء من المنطق الذي يتعامل مع أبجديات السياسة الدولية، خاصة خطاب الراديكاليين الذين يبدو أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا دون وجود خصم مناوئ يُحقق لهم كل الحرية في الحديث عن نظرية المؤامرة، ليستمدوا شرعيتهم منها.. أمّا وقد جاء أوباما ليعلن من منبر إحدى أعرق الجامعات العربية احترامه للإسلام، وأن أمريكا لا تخاصم الإسلام، ويبدأ في فتح صفحة جديدة مع هذا العالم، متخلصا من كل المصطلحات التي كانت محل جدل كمصطلح الإرهاب الذي استبدله بالتطرف، وأن يعلن على الملأ إيمانه بحل الدولتين، وأنه مصلحة استراتيجية لطرفي النزاع كما أنه مصلحة لأمريكا، فإن هذا لا يعدو كونه من لغو الحديث أو أنه نوع من الماكياج الذي تريد الولايات المتحدة أن تخفي به بعض عيوب وجهها.
هذه الرؤية لا تدفع إلا باتجاه واحد، وهو إبقاء باب الخصومة مشرعا مع القوة العظمى، وإدخال المنطقة والعالم في دوامة من الصراعات والقلاقل التي لا تخدم قضايا الأمة، ولا تحل معضلة . وبالتالي فإن هذا الخطاب المتشنج الذي يرفض الحوار، والمتخندق خلف شعارات الممانعة والمقاومة، والقريب من شعارات الإقصاء من وزن الشيطان الأكبر، والشر المطلق، لا تفصله مسافة تذكر عن خطاب بن لادن الذي لا يزال يتبنى منطق الغزوات، وهؤلاء لو لم يجدوا إلا طواحين الهواء لقرروا مواجهتها فهم ليسوا معنيين بما هو أكثر من الاختباء خلف قواعدهم الشعبية والصراخ بالموت لأمريكا.
إن العالم العربي والإسلامي مطالب اليوم وبعد هذا الخطاب الذي يقدم خطوة بالغة الأهمية باتجاهه، أن يبادلها بخطوة مماثلة لاستثمار هذا التحول الكبير في الموقف الأمريكي، والذي استطاع الرئيس أوباما أن يمنحه عنوان كتابه الشهير بجدارة، ليكون فعلا بمثابة (جرأة الأمل)، وذلك عبر أنظمته السياسية المتعقلة، التي تعرف مصلحة شعوبها، وتدرك حجم ميزان القوى، وأيضا عبر منظماته الإسلامية لتعزيز هذا التوجه، وعدم الإصغاء لتلك الأصوات التي لو لم تجد لها خصما لاخترعته من العدم لأنها استمرأت ترديد مفردات النضال الكبيرة ولو من وراء الجدر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي