الاعتداءات العنصرية على أبنائنا المبتعثين!
لم يفكر أحمد طويلاً عندما حصل على فرصة لإكمال دراسته في أستراليا ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث.. لقد كان طموحه أكبر من أي عائق يقف في طريقه، خصوصاً أنه تخرج من المرحلة الثانوية قبل عامين بتقدير "ممتاز" ليُصدم بعدم قبوله في جميع الجامعات السعودية, لكنه لم ييأس.. فبعد عدة محاولات مستميتة تنقل خلالها بشهادته من شرق المملكة إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها تم قبوله في تخصص لم يرغبه يوماً في جامعة أم القرى في مكة المكرمة, فحمل حقائبه وودع أهله في مدينة الرياض منتقلاً إلى العاصمة المقدسة ليبدأ البحث عن غرفة صغيرة تحتضنه هو وكتبه ودفاتر محاضراته.. فالجامعة التي قبلته على مضض لم تمنحه حتى مساحة يمدد فيها جسده في سكن طلابها.
مرت سنة كاملة من المعاناة قبل أن تزف إليه البشرى بقبوله في برنامج الابتعاث.. كاد أن يطير فرحاً من مكة إلى أستراليا دون جناحين, وشعر أن الدنيا ابتسمت له بعد طول عبوس, ولم يمض وقت طويل حتى انتظم مع زملائه المبتعثين في دراسته الجامعية في مدينة بيرث.
أحمد وكعادة أغلب أبناء وطنه يشعر باستمرار بالحنين لأداء الصلاة في المسجد, ولذلك كان يتجه بصحبة خمسة من زملائه المسلمين بين فترة وأخرى لتأدية الصلاة في مسجد بيرث الذي يعد أحد أقدم وأبرز المعالم الإسلامية في أستراليا لكن رحلته الأخيرة إلى هذا المسجد لم تكن كسابقاتها, فقد تعرض هو ورفاقه إلى هجوم وحشي من قبل عصابة من العنصريين لتنقله بعد ذلك سيارة الإسعاف إلى المستشفى وهو غارق في دمائه ولا يعي ما يدور حوله. وهو يرقد - أثناء كتابتي لهذه الكلمات - لليوم الثالث على التوالي في المستشفى ولا أحد يعلم إن كان بإمكانه أن يقوم من سريره ويواصل دراسته خلال الأيام المقبلة أم أن حالته الصحية لن تسمح له بذلك، ما قد يجعله يعود إلى الرياض حاملاً حلمه وحقائبه التي حملها إلى مكة أول مرة.
بالأمس قامت القنوات الفضائية الأسترالية (السابعة والتاسعة والعاشرة)، بإجراء مقابلات مع زملائه حول قضية تعرضهم للاعتداء, بينما لم تتطرق حتى الآن وسائل الإعلام السعودية للحادثة، ولم يصدر بيان عن سفارة المملكة في أستراليا يوضح ملابسات القضية ويطمئن أهالي المبتعثين على أبنائهم الذين تعرضوا للاعتداء العنصري.
إنني أتساءل عن الدور الغائب للسفارات والقنصليات السعودية في تعريف أبنائنا المبتعثين بالأماكن الخطرة التي من المحتمل أن يواجهوا فيها مثل هذه الاعتداءات بهدف تحذيرهم منها حتى لا يصبحوا ضحايا للعنف العنصري, فقد علمت بعد حادثة الاعتداء على أحمد ورفاقه أن الطريق الذي كانوا يسلكونه إلى مسجد بيرث يعد من أخطر الطرق في المدينة من الناحية الأمنية وهو مكان لانتشار العصابات الإجرامية.
أعلم أن هذه القضية قد تبدو عادية بالنسبة للكثيرين, نظراً لتزايد ظاهرة الاعتداءات ذات الطابع العنصري في الكثير من دول العالم التي تصل في بعض الأحيان إلى القتل, لكنها حتماً ليست عادية بالنسبة لي, فأحمد هذا ليس سوى أخي الأصغر أحمد الظاهري .. أسأل الله أن يشفيه هو ورفاقه وأن يردهم إلى وطنهم سالمين.