أوباما .. تحديات ما بعد الزيارة
اليوم يحل الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما ضيفا على المملكة العربية السعودية، في زيارة للعالم العربي يخص بها السعودية أولا ثم مصر.
يأتي أوباما للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الرجل الذي خبره وقابله في قمة مجموعة الدول العشرين وعبّر عن احترامه الشديد له بانحناءة وقورة وبكلمات حارة التقدير.
وإذا كان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قد طار صيته في الآفاق عملا وقولا كقامة تاريخية شماء تعمل من أجل سلام العالم وسعادة الإنسانية، حيث مواقفه الجمة في نصرة قضايا الحق والعدل عربيا، إقليميا، ودوليا إلى جانب مبادراته لمساعدة الأمم والشعوب ونجدتها في محنها وكوارثها الطبيعية أو الناجمة عن نزاعات وعنف وحروب، وتقديم الدعم المادي والمعنوي بسخاء، كما عرف عنه مساعيه الحثيثة في إطفاء حرائق الفتن والصدامات بين الأشقاء الفرقاء في العراق، لبنان، فلسطين والصومال ومحاولاته الدؤوبة إلى لم شمل العرب والمسلمين إلى ما يخدم قضاياهم ويحقق لهم العيش الحر الكريم .. إذا كان ذلك كله قد بات دويا في أرجاء العالم يشيد بمناقب الملك عبد الله فقد عززته في نصاعة الإشادة تلك الإسهامات الثقافية الفكرية الحضارية التي قام بنفسه بريادتها في حوار الأديان والتقريب بين الثقافات في مدريد وفي مقر الأمم المتحدة في نيويورك وقبلها في لقاء البابا في روما، حيث كان خادم الحرمين وفي مركز الإجلال والتقدير، أي أن خادم الحرمين الملك عبد الله، وهو يحتفي بلقاء الضيف الأمريكي الكبير الرئيس أوباما اليوم يعكس فرادة القائد التاريخي المدجج بأمجاد ترجمة الأقوال إلى أفعال والمتوج بعمق المصداقية وحرارتها من أجل "تغيير" العالم ليصبح أكثر أمنا وسلاما وتقدما.
الرئيس الضيف باراك حسين أوباما خاض غمار الانتخابات في الولايات المتحدة مراهنا على حصان "التغيير" وفاز بالرئاسة على نحو كاسح تحت وعده بـ "التغيير" فهذا رهانه الذي جاء من أجله، وهذا في الوقت نفسه التحدي الذي سيمتحنه به العالم في عدد من المحطات الداخلية والخارجية.
صوته في خطاب القسم حمل شارات ود وصداقة للعالم الإسلامي الذي نحن منه، وحمل في أجندته السياسية وعدا بوضع ثقله السياسي من أجل السلام والعمل على حل القضية الفلسطينية وفقا لخريطة الطريق ومنظومة القرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي.
كيف سيفعل الرئيس أوباما ذلك؟ ما الذي يمكن أن يتبناه ويدفع به بقوة وإصرار دون أن يكون إجحافا بحق الشعب الفلسطيني؟ أسئلة كثيرة أشهرت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة حولها أسلحة التحدي على الأرض وفي أروقة الكينسيت، عبر مئات الحواجز وإقامة الجدار العنصري وبناء مزيد من المستوطنات والاستيلاء على الأراضي، وعبر الإلزام بيهودية الدولة الإسرائيلية والحديث عن إفراغ الأراضي المحتلة من فلسطيني عام 1948 وتحويل مواطنيها إلى الضفة كوطن بديل، فضلا عن وضع الملف النووي الإيراني على الطاولة كأولوية قصوى للعمل عليه وفق أجندتها العسكرية.. تلك كلها تحديات ستعمل إسرائيل من خلالها على استنفاد طاقة أوباما بقصد إفراغ أجندته إلا مما تراه يخدم مصالحها وحسب.
سوف تستأثر هذه القضايا بمحادثات خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس أوباما على نحو جوهري، والزعيمان يملكان بالتأكيد تصوراتهما ورأييهما في سبيل إنجاز مهمة السلام الشامل العادل المنشود، والشيء المؤكد أن خادم الحرمين لن يجد كبير عناء في توضيح ما يراه ممكنا وما هو مطلوب من الحكومة الأمريكية العمل على تحقيقه، ولا سيما هو الأب الحقيقي لمبادرة السلام العربية، كما أن من المؤكد أن الرئيس أوباما لديه هو الآخر ما يعد به ويستهدف فعلا إنجازه، وقد يكون من المبكر القطع بالآليات التي ستعتمدها حكومة أوباما لكن العالم يرقب ما سيقوله الرئيس الأمريكي في خطابه المزمع إلقاؤه في جامعة القاهرة في مصر بعد زيارته للسعودية، الذي سينظر إليه على أنه حصيلة ما انتهى إليه من تصور. ولسوف يكون هذا الخطاب علامة فارقة في مدى قرب أو بعد أوباما من الحل العادل الشامل المنشود للقضية الفلسطينية، كما أنه سيمثل مؤشرا على معالم الطريق التي يمكن التكهن بظهورها، سواء كانت لعرقلة المهمة من قبل إسرائيل أو إيجابيا في مدى تجاوب الفلسطينيين مع الحل أو حتى فاعلية أداء إدارته في الإمساك بالوقت وإنجاز الحل.
لكن الذي لا شك فيه أن الرئيس أوباما في لقائه خادم الحرمين الملك عبد الله يعرف كامل المعرفة أنه أمام قائد واضح لا يعول إلا على ترجمة الأقوال إلى أفعال.. على أن تكون الأقوال بجانب الحق والسلام .. فهل يقوى أوباما على النهوض بما لم ينهض به غيره من زعماء الولايات المتحدة؟! وهل ينعم الفلسطينيون بدولة مستقلة وتنعم المنطقة بسلام؟ ذلكم أصعب رهان، الفوز بإنجازه على نحو مشرف سيجعل من باراك حسين أوباما سيد أقواله.