يا لهذا الاقتصاد الكسول!!

مع تفاقم مشكلات الأزمة المالية العالمية ومع ظهور وتنامي الدعوات إلى تغيير النظام الاقتصادي العالمي القائم بنظام أكثر قدرة على الاستجابة لمتطلبات القرن الحالي ورغم الإجماع العالمي على ضرورة ذلك التغيير والحاجة الماسة إليه إلا أن هناك تفاؤلا مفرطا بقدرة علماء الاقتصاد على إنتاج التغيير المطلوب وفي الوقت المحدد. ليس لعيب في علماء الاقتصاد الحاليين ولكن لأن ولادة نظرية علمية جديدة تخلف النظرية القائمة أمر عسير جدا. فالنظريات مثل الكائنات الحية تحتاج إلى تزاوج موفق بين السياسية والفلاسفة وهو أمر صعب في واقع الحال اليوم، حيث لا توجد بوادر تقرب لمثل هذا التزاوج. ما زالت دوائر السياسة تبحث عن حل سريع يضمن لها بقاء الأساليب والمؤسسات القديمة فاعلة وما زالت ترغب وتروج لأن نعمل في ظل منتجات القرن الماضي. السياسة لغة القوة وتوازنها وسيفرض قواعد اللعبة من يملك مفاتح التوازن المقبولة بيده. ورغم أن الولايات المتحدة هي منبع الأزمة المالية إلا أنها كمصدر للقوة السياسية ما زالت تفرض على العالم الحل وفقا لأجندتها السياسية. هذه الأجندة لم تجد إقبالا عالميا بعد ولم تجد – وهو الأهم - قبولا من لدن علماء الاقتصاد, لذلك فإن التزاوج المطلوب لتوليد النظرية الجديدة والحل الحقيقي لم يزل بعيد المنال.
يجب ألا نعول كثيرا في هذه المرحلة على علم الاقتصاد فهو كسول من حيث سرعة إنجاز الجديد في نظرياته فالعلم – من جانبه كعلم - يحتاج إلى إجماع من قبل مجموعة معتبرة من العلماء الذين سيكون عليهم تحمل عبء المسؤولية التاريخية وتحدي المؤسسات العلمية العالمية في شتى بقاع الأرض. إن انتظار النظرية الاقتصادية الجديدة أو حتى انتظار التعديلات الرئيسة على جسم النظرية الحالية يتطلب انتظار نتائج فكر وكتابات وأبحاث مجموعة العلماء المعتبرين وقدرتهم على تكوين اتحاد علمي يدافع بقوة عن المفاهيم الجديدة ويقدم براهين قدرة منتجهم الجديد على تقديم الحل للمشكلات القائمة وفي الوقت نفسه يقدم الإجابات الصحيحة نفسها التي أقنعت العالم في الزمن الماضي. تلك هي المعادلة الصعبة التي تجعل أفضل عقول العالم اليوم يقف متأنيا أمام طرح الجديد. ليس لأنه يفتقر إلى ذاك ولكن إقناع مجموعة من العلماء بالتصور الجديد قضية علمية ضخمة تحتاج إلى وقت وعلى العالم تقديم التضحيات من أجله. القضية الشائكة أيضا أن علماء الاقتصاد مثل بقية العلماء في العالم مترددون بشأن التغيرات الجذرية في النظريات الأساسية القائمة لذلك يتسم العلم في مراحل معينة بالثبات النسبي وتظل الكتابات تدور في محاور بعيدة عن جوهر النظرية التي لا يتطرق لها الشك. لذلك عندما يشتد الهجوم على الجوهر، وحتى يأتي الجديد المجمع عليه، قد لا يكون لدى العلماء ما يقدمونه كبديل ولن يبقى أمامهم حتى ظهور ذلك الإجماع سوى الدفاع عن الجوهر المريض لأن بقاءه حيا – ولو مريضا – بقاء لمؤسساتهم ولهم كعلماء معتبرين.
من منطلق هذا التصور فليس مستغربا أننا لم نسمع سوى الحل السياسي فقط. والقمم الاقتصادية لم تزل تعد قمما سياسية في المقام الأول وإن تدثرت بعباءة علم الاقتصاد. ويجب أن يكون معلوما أن تحريك العلم ليس ببساطة عقد مثل هذه الاجتماعات أو التصريحات التي تصاحبها, ويجب على العالم أن يقبل تحدي الوقت والتضحية من أجله حتى تتقارب وجهات النظر, فولادة النظرية الاقتصادية الجديدة حدث ليس بأقل شهرة من ولادة حيوان نادر واكتشاف كيف انقرضت الديناصورات؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي