إدارة الأزمة.. العيص نموذجاً

تمر المجتمعات والدول بأزمات وظروف صعبة تؤثر في مسار حياتها سواء كان هذا التأثير لفترة طويلة, أو تأثيراً مؤقتاً, ويزول بزوال الظروف التي أحدثته, ويمكن تعريف الأزمة بأنها تهديد خطير يتعرض له فرد, أو جماعة, أو مجتمع بكامله، ما يؤثر في الممتلكات أو الأفراد في حياتهم, أو معتقداتهم, وقيمهم. وتأخذ الأزمات صوراً شتى كالأزمات السياسية, والأمنية, أو تلك الناجمة عن تغيرات مناخية كالأعاصير, والسيول الجارفة, أو الزلازل, والبراكين, وقد حدث في أنحاء العالم أزمات عدة عبر التاريخ, لكن هذه الأزمات تختلف من حيث قوتها, وحجم تأثيرها.
فمن الأزمات السياسية أزمة خليج الخنازير بين الولايات المتحدة, والاتحاد السوفياتي، حيث نصب الاتحاد السوفياتي صواريخه بالقرب من أمريكا, وكادت تشتعل حرب بين الدولتين, كما أن الحرب الدائرة في الصومال أو أفغانستان, أو في العراق تمثل أزمة هددت, وتهدد أرواح الناس, وممتلكاتهم, وأفقدتهم الأمن, ومن أمثلة الأزمات الجيولوجية زلازل إيران, وباكستان, والجزائر, واليمن التي أحدثت دماراً كبيراً وأصابت كثيرا من الناس في حياتهم, وممتلكاتهم, وشردتهم, وأبعدتهم عن ديارهم, ومناطق سكناتهم, وأثرت في أمنهم. وقد تمت الإشارة إلى الأزمة في القرآن في قوله تعالى"الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".
ومع ما يحدث من هزات أرضية في منطقة المدينة المنورة وبالتحديد في مركز العيص, وما جاوره, وكذلك في منطقة تبوك, وبالتحديد في مدينة أملج يجدر بنا أن نتوقف عند هذا الحدث، لأنه لا يمكن أن ننكر كونه أزمة رغم أنه لم يصل إلى مرحلة الخطر الشديد أو التهديد الواضح, لكن لا بد من تناوله من خلال معايير إدارة الأزمة, ولعله من المناسب أن نشير إلى أن إدارة الأزمة تعني العملية التي تستهدف التنبؤ بالتغيرات المحتملة, وتوظيف الموارد الممكنة لمنع حدوث الأزمة, أو التخفيف من آثارها حين وقوعها, وذلك بهدف إعادة الأمور إلى الوضع الطبيعي بأسرع وقت وأقل تكلفة وخسارة.
بمتابعة ما يحدث في شمال غربي المملكة من خلال وسائل الإعلام لمست أموراً إيجابية تتمثل في وجود ناطق رسمي يصرح حول الأزمة ويبين جميع الترتيبات المتخذة من الجهات المعنية أولاً بأول, وكذا التغيرات التي تحدث في باطن الأرض, وذلك بناء على المعلومات المستمدة من هيئة المساحة الجيولوجية, ومن مركز الزلازل الوطني, ومثل هذا الفعل يقلل من أثر الشائعات التي تنتشر, وقد تضر ضرراً بالغاً فيما لو سمح لها بالوصول إلى الناس، خاصة أن الناس في مثل هذه الظروف مهيأون لتصديق أي شيء يرتبط بحياتهم ومصيرهم, ذلك أن الأذهان والأنفس على استعداد لتقبل وتصديق أي خبر ينطلق من هنا أو هناك, لكن لا بد من تزويد الناس بالمعلومات أولاً بأول وبصورة واضحة غير قابلة للتأويل أو سوء الفهم, لذا فاختيار المصادر الموثوقة والقادرة على إيصال المعلومة الصحيحة يحمي الناس من الانزلاق وراء الشائعات والإرجاف. زيارة المسؤولين للمناطق المعرضة للخطر تعد أمراً مهماً، فهي مما يسهم في طمأنة الناس, وإبعاد شبح الخوف عنهم, لكن لا بد من تجنب سوء تقدير كيف يمكن أن تكون الأمور, وعدم الإفراط في الاعتماد على الإمكانات المتوافرة, أو التراخي في المتابعة المستمرة, ففي الأزمات قد تنفلت الأمور وتخرج عن السيطرة بصورة مفاجئة, لذا لا بد من أخذ جميع الاحتياطات وتوفير الإمكانات كافة, وقد لاحظت أن الدفاع المدني في مركز العيص استعد بمعداته ورجاله، وأوجد مخيماً إيوائياً، لكن في ظني أن المخيم في هذه الظروف الحارة قد لا يكون مناسباً مع وجود الأطفال, وكبار السن, فالأمر يتطلب إيجاد ما يسمى المساكن الجاهزة المعزولة, وتوفير الخدمات لمن يسكن في المركز الإيوائي من كهرباء, وماء, وخدمات صحية, ومدارس للأبناء والبنات، خاصة أننا على أبواب الامتحانات, ومثل هذا الجهد سواء كان حكومياً أو أهلياً يخفف عن الناس مثل هذه الأزمة التي فرضت عليهم ترك منازلهم وممتلكاتهم, والأفضل إسكان مواطني هذه المناطق في المدن القريبة منهم كالمدينة المنورة وينبع.
من الأهمية بمكان لمواجهة هذه الأزمة التصدي لعملية الابتزاز التي قد يتعرض لها أبناء تلك المناطق, ولا بد من توفير جميع احتياجاتهم حتى لا يتعرضون لمن قد يتاجر بأزمتهم, ويستغل الظرف الصعب الذي هم فيه, وحتى لا ينطبق عليهم المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد". إن غرس الإيمان في نفوسهم, وطمأنتهم من الأمور ذات الأهمية البالغة في إدارة الأزمة, لذا ففريق العمل في تلك المناطق لا بد أن يكون من ضمنه متخصصون في الشريعة, وعلم النفس, والاجتماع, إضافة إلى القطاعات الأمنية, والصحية, وغيرها من القطاعات الأخرى.
إن متابعتي للأخبار الواردة من هناك تبين أن هناك اكتشافاً مبكراً للإشارات الدالة على وجود تغيرات جوفيه, وهذا يمثل أحد مرتكزات إدارة الأزمة، فهذه المعلومة تمهد للخطوة اللاحقة المتمثلة في الاستعداد, وأخذ الحيطة, وهذا ما حدث بالفعل، حيث تم تنبيه الناس وطلب منهم ترك منازلهم اتقاء ما قد يحدث نتيجة التطورات, كما أن حسن التخطيط ووجود غرفة عمليات مشتركة تشرف على الأزمة يمثل مطلباً أساسياً حتى لا يكون التعامل مع الطوارئ بصورة فوضوية تزيد الموقف سوءاً, وتؤدي إلى أضرار بالغة، لا سمح الله.
إن وعي الناس, وتعاونهم مع الجهات الرسمية المعنية بالإشراف, والمتابعة للظرف القائم في مركز العيص أو غيره من المناطق الأخرى، يمثل مطلباً أساساً لنجاح إدارة الأزمة، فهل نتمكن جميعاً جهات رسمية وأهالي في منطقة الحدث, وأهالي ومواطنين في أماكن من الوطن من جمع جهودنا, وجعلها بصورة منظمة تساعد أهلنا في تلك المناطق وتخفف عنهم ظروف الأزمة التي نرجو ألا تتطور؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي