الأخطاء الطبية.. قضاء وقدرا!

في البداية لا بد من الإشادة ببعض الأطباء الذين استطاعوا بناء سمعة مشرفة في بلدانهم وخارجها. ولا بد من الفخر بالطبيب المسلم الذي يلتزم بالأخلاق الإسلامية العالية، ويخاف الله في كل أعماله وسلوكياته. وبحمد الله هؤلاء كثر وتجدهم في كل مكان. ولا بد من الثناء – كذلك - على جهود الدولة في بناء المستشفيات وتجهيزها في أرجاء المملكة كافة. ولكن وجود بعض المستشفيات المجهزة تقنياً، ووجود بعض الأطباء الأكفاء لا يمنع حدوث الأخطاء الطبية التي تحدث من غيرهم نتيجة الإهمال أو عدم الاكتراث بالإجراءات الطبية المتبعة، أو لنقص التأهيل والخبرة، أو من منطلق "من أمن العقوبة أساء الأدب".
في الحقيقة، لا يخلو بلد في العالم من الأخطاء الطبية القاتلة، ولكن تتفاوت البلدان في خطورتها ومعدلات ارتكابها بدرجة كبيرة. كما تتفاوت الدول في دقة الإحصاءات والأنظمة المطبقة بشأنها. ففي الولايات المتحدة، يموت نحو 100 ألف شخص (أو أكثر) نتيجة الأخطاء الطبية التي يمكن تفاديها. وهذا الرقم يفوق الوفيات بسبب حوادث الطرق، ويفوق أيضاً الوفيات بسبب مرض الإيدز. إذا كان هذا يحدث في الولايات المتحدة التي يسهل بها رفع قضايا المطالبة القانونية بتعويض المرضى عما يلحقهم بهم من ضرر، فكيف يكون الحال في البلدان النامية؟! لذلك قلما نقرأ أو نسمع عن تعويضات للمرضى الذين ترتكب في حقهم الأخطاء الطبية في البلدان النامية. ولم نسمع أن أحد المستشفيات اعترف بارتكاب خطأ طبي أو قام بتقديم المساعدة لأحد المرضى كتعويض عن الخطأ الذي تعرض له!
وعلى الرغم من بعض الجهود التي تبذل للحد من الأخطاء الطبية، إلا أن من الواضح أن المتضررين من الأخطاء الطبية في معظم البلدان، ومنها المملكة، يعانون صعوبات كبيرة وعقبات كثيرة لا يمكن تجاهلها، ومن أبرزها ما يلي: (1) عدم تعاون معظم المستشفيات مع المريض (أو أقاربه في حالة وفاته) في توفير التقارير المطلوبة للتظلم، إن لم تحاول إخفاءها أو التلاعب بها. فحصول المريض على التقارير ليس بالأمر السهل، خاصة عندما يكون هناك اتهام بارتكاب خطأ طبي!! (2) في معظم الأحيان لا تتعاون الجهات الطبية الأخرى مع المريض أو أقاربه في مثل هذه الظروف. (3) لا تزال الملفات الورقية هي طريقة حفظ البيانات والتقارير الطبية في معظم المستشفيات، مما يسهل الوصول إليها، وربما التلاعب بمحتوياتها. فالمفترض أن تحفظ تقارير المرضى آلياً حيث يصعب تعديل محتوياتها أو التلاعب بها.
في ضوء ما سبق، لا بد من رفع مستوى دقة الإحصاءات الطبية وأسلوب حفظها وتقنين استخدامها، مما يسهل من عملية الكشف عن الأخطاء الطبية ومتابعتها في جميع المؤسسات الطبية. كما ينبغي العمل على توعية الناس بإجراءات تقديم التظلم أو الشكاوى عند الشعور بارتكاب خطأ طبي. ولعله من الضروري أن تتولى البت في قضايا الأخطاء الطبية لجان أو جهات مستقلة لا تتبع للمؤسسات التي تشرف أو تمتلك المستشفيات أو المراكز أو المختبرات الطبية. ومن الأساليب الفعالة للكشف عن الأخطاء الطبية أن يفتح المجال أمام المحامين القانونيين لمتابعة الأخطاء الطبية ومحاولة الحصول على تعويضات مناسبة للمتضررين من الممارسات الطبية الخاطئة، مما سيؤدي – في النهاية – إلى الحد من الأخطاء الطبية. وأخيراً، لا بد من السعي لتطوير السجلات الطبية في المستشفيات وإدخال أنظمة حديثة تحفظ معلومات المريض والإجراءات الطبية المتخذة بشأنه، بأسلوب يرصد التغييرات ويحدد المسؤوليات. ولا بد من التأكيد على تطبيق معايير الجودة وإجراءات العمل المؤسسي الصحيح. وأخيراً، لا بد من حماية المستفيد من الخدمات الطبية من خلال إنشاء هيئة مستقلة تساعد المريض أو ذويه على الكشف عن الأخطاء الطبية. وفي حالة غياب هذه الهيئة المستقلة، وعدم تطبيق معايير الجودة في المؤسسات الطبية ستبقى أمور الأخطاء الطبية مجرد "قضاء وقدر"، والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي