جائزة "أفضل أمين " ... للناس
التقدير العربي الذي حظيت به إدارة المدن السعودية والاعتراف بتميز القدرات القيادية الوطنية في مجال العمل البلدي باختيار سمو الدكتور عبد العزيز بن عياف أمين منطقة الرياض أفضل أمين على مستوى الدول العربية, هو حصيلة رؤى واضحة ومبادرات خلاقة وجهود كبيرة وخبرة تراكمية وسعي دؤوب نحو تحقيق الأفضل وعدم الركون للمعتاد والانكفاء داخل التنظيم البيروقراطي, ومواجهة التحديات وخلق فرص النجاح والإنجاز. الحديث هنا ليس شخصيا عاطفيا مع الاعتراف أنه لا يخلو من ذلك, خاصة أنه يتعلق بنجاحات وإنجازات وطنية نفخر ونفاخر بها وتشهد بالقدرات الإدارية المحلية على الرغم من ضيق دائرة الصلاحيات وغياب نظام للإدارة المحلية يحدد الأدوار والمسؤوليات بين المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية ويوحد مرجعية صنع القرار ويمنح الصلاحيات الإدارية والمالية اللازمة لإدارة المجتمعات المحلية وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا وحضريا. وهذا ما يجعل الاحتفاء بهذه المناسبة ذا مذاق خاص ومحل تقدير وإعجاب, فعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه القيادات المحلية من أمناء ورؤساء بلديات ومحافظين، إلا أن العزيمة والإصرار والالتزام والإخلاص والأمل والطموح والدافعية نحو الإنجاز والتفاني في خدمة المواطنين جميعها تدفعهم وتحفزهم نحو التطوير وتهيئة الأوضاع المحلية لتكون أكثر جاذبية للعيش والإنتاج وتحريك الموارد لتحقيق أهداف التنمية المحلية لتكون النتيجة مدنا تتمتع بمقومات حضارية، فـ "على قدر أهل العزم تأتي العزائم". الجائزة ذهبت لمن يستحقها عن جدارة واستحقاق لا مواراة فيها ولا مجاملة ولا محاباة, فالعمل البلدي يحسه ويعيشه جميع المواطنين دون استثناء على مدار الساعة والأيام والسنين، فأداء البلديات واضح وضوح الشمس في رائعة النهار لا يمكن تجميله أو تلميعه أو المداهنة أو مغالطة الواقع لأنه لا يخفى على أحد, فالجميع يؤثر ويتأثر بالعمل البلدي بشكل مباشر وآني. ولذا كانت الجائزة تتويجا لجهود أمانة منطقة الرياض المباركة بما ينسجم مع واقع حال ويقيم بشكل دقيق التنمية العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها العاصمة الرياض ويعكس الأداء الحقيقي المميز للأمانة. هذا الإنجاز حقيقي ونجاح ملموس له شواهد ودلائل لا يسع أي أحد إلا الإعجاب والتصديق والتصفيق حتى أولئك الذين يتمتعون بجلد الذات وينظرون للأمور من منظور الشك والريبة والتقليل من المنجزات الوطنية. هذا إنجاز وطني ونموذج إداري يستحق التقدير والدراسة والتحليل وتكراره في مواقع أخرى. الإنجاز يجب ألا يختزل بكفاءة التنظيم وفاعليته وإنما الاعتراف بأن الإدارات المحلية تتمتع بالنضج الإداري وتمتلك القدرات القيادية والكفاءات المؤهلة, وبالتالي جديرة بالثقة ومزيد من الصلاحيات الإدارية والمالية.
الجائزة جاءت لتؤكد أهمية القيادات البلدية في تطوير المجتمعات المحلية وتنمية المدن وأن السبيل للارتقاء بالعمل البلدي هو باختيار قيادات قادرة على صنع التحول في المجتمعات المحلية اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وعمرانيا. القيادات المحلية البلدية هي عناصر التغيير الاجتماعي الحقيقي وهي الوحيدة القادرة على ترجمة السياسات والخطط الوطنية إلى واقع ملموس ومشاريع تنبض بالحياة وتلبي احتياجات المواطنين في الحاضر والمستقبل. إنها النهج القيادي المحفز، والرؤى المستقبلية الواضحة، والأفكار المتجددة والتطبيق الفعلي الكفء الذي يصنع الفرق بين الإدارة الناجحة والإدارة الجامدة. إنها القيادات المحلية المبدعة محرك التطوير وصانعة التغيير التي تبث الروح في المنظمات والمجتمعات المحلية ومن دونها تتحول الأجهزة الحكومية إلى مجرد كثبان من المعاملات الورقية التي لا تغني ولا تسمن من جوع تعرقل المشروع التنموي، وتغرقه بإجراءات روتينية مطولة ليس لها آخر تستنزف الجهود والموارد لتذهب هباء منثورا وانغلاقا وتشرنقا داخل التنظيم الإداري لينقطع بعد ذلك اتصالها بالمجتمع المحلي وتبقى دون دراية وعلم بما يدور فيه لتقدم الخدمة العامة بغض النظر عن الاحتياجات الحقيقية للسكان كما ونوعا وجودة! المشكل أن العمل الإداري المحلي تتقاطع فيه مصالح كثيرة ويتداخل فيه عدة أطراف ويمس جميع سكان المدينة, هذا التعقيد يتطلب قيادات تستطيع الموازنة بين الآراء والقيم المختلفة والمتباينة والسير على حبل رفيع بكل احترافية واتزان يضمن الحفاظ على الثوابت والقيم الأصيلة والهوية الوطنية, وفي الوقت ذاته إحداث التغيير الاجتماعي والتطوير العمراني. لم تعد المجتمعات المحلية بسيطة صغيرة يمكن إدارتها مركزيا وبأساليب روتينية تقليدية وإنما تتطلب آليات جديدة لصناعة القرار العام المحلي تتناسب مع المتغيرات والمستجدات وتسهم في التنمية المحلية ومعالجة قضايا المدن والضبط الاجتماعي. لقد تزايد عدد سكان المدن واتسعت مساحاتها وارتفع المستوى الثقافي وسقف التوقعات لسكانها, ما يجعلها تشكل ثقلا سياسيا يحتم أخذها على محمل الجد وإدارتها بأساليب أكثر كفاءة وفاعلية. المسألة تتعدى توفير الخدمات العامة باتجاه واحد وإنما إدارة شاملة ومتكاملة لجميع قطاعات المدينة, والأهم خلق إحساس بالاجتماع والانتماء للمجتمع المحلي وامتلاك المبادرة في التصدي للتحديات والمشكلات والموضوعات المحلية.
إدارة المدن تمثل جذور التنمية الوطنية وعنوان الاستقرار ومعالجة المشكلات ووأدها في مهدها قبل أن تستفحل وتتحول إلى أزمات وتحتل أولوية وطنية وتستغرق الأجهزة المركزية وتضيف إلى كاهلها أعباء جديدة لتقلل من فاعليتها وتشغلها عن الأجدر والأهم. ومن هنا فإن إدارة المدن تمثل أداة فاعلة للتنمية بحكم درايتها بالشأن المحلي وقربها منه وهو ما أدركه الملك المؤسس عبد العزيز ـ رحمه الله ـ عندما منح أمراء المناطق والمحليات صلاحيات إدارية ومالية واسعة متمثلا مقولة "يرى الحاضر ما لا يرى الغائب", ولا يغيب في هذا السياق منهج رائد الإدارة المحلية الأمير سلمان بن عبد العزيز في الإدارة المحلية الذي أدرك بفكره السياسي وحسه الإداري ومهارة العمل الاجتماعي ألا سبيل للتنمية المحلية إلا من خلال هيئة إدارية يعمل تحت مظلتها جميع الأجهزة الحكومية, فكان أن أنشأ الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض قبل ما يقارب أربعة عقود لتكون شاهدا على التميز الإداري المحلي ونموذجا بدأت بعض المدن تطبيقه في الآونة الأخيرة وهو يستحق بلا شك أن تكون قاعدة تنطلق منها جهود تطوير الإدارة المحلية.
هكذا إذا تكون جائزة أفضل أمين على مستوى العالم العربي التي فاز بها سمو أمين منطقة الرياض نتيجة حتمية لتعاون مثمر بين حاكم سياسي مستنير وقيادي إداري مبدع وطاقم من الكفاءات الوطنية المميزة وثقافة تنظيمية تشجع التطوير وتوليد الأفكار والسعي الحثيث لما ينفع الناس لتكون الإجراءات الإدارية البيروقراطية من أجل الناس كما ينبغي لها.