البنك المركزي الخليجي ومقره الرياض

تم الاتفاق في الأسبوع الماضي على أن تحتضن العاصمة السعودية الرياض المجلس النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي الشركاء في الاتحاد النقدي والذي يشكل نواة البنك المركزي الخليجي المتوقع أن يضطلع بالمهام المتعلقة بالاتحاد النقدي. فالمتوقع أن يقوم المجلس النقدي بإرساء قواعد تشغيل البنك المركزي الخليجي، ومتابعة الالتزام بمعايير الاتحاد النقدي من قبل الدول الأعضاء، وتكوين فلسفة السياسة النقدية التي سيتبعها البنك المركزي الخليجي من خلال التنسيق بين السياسات النقدية بين دول المجلس. كما أن من المتوقع للمجلس النقدي أن يقوم بتأسيس وحدة الإحصاءات والبيانات المركزية للدول الأعضاء في الاتحاد النقدي بهدف ضمان سهولة وصول البيانات والمعلومات من مختلف الجهات الحكومية في دول المجلس والتي يحتاج إليها صناع السياسة النقدية في البنك المركزي الخليجي لصياغة قراراتهم وإرشاد مختلف المؤسسات الاقتصادية للاستمرار في الالتزام بمعايير التقارب النقدي. فمعايير التقارب النقدي التي أقرتها دول المجلس وقامت بمحاولة الالتزام بها في الفترة الماضية تشمل عدم تجاوز عجز الميزانية السنوية لـ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 5 في المائة في فترات انخفاض أسعار النفط، ألا تتجاوز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 60 في المائة، أن تغطي الاحتياطيات من العملات الأجنبية واردات أربعة أشهر، ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أقل ثلاث دول من حيث أسعار الفائدة، وألا يزيد التضخم على 2 في المائة مقارنة بمتوسط التضخم في دول المجلس. معايير التقارب هذه التي التزمت دول الخليج بها لتحقيق الاتحاد النقدي يمكن الحصول على بياناتها من عدة جهات حكومية في دول المجلس تشمل البنوك المركزية الخليجية وزارات المالية، وأحياناً إدارات الإحصاء ووزارات التخطيط. ونظراً لتعدد مصادر البيانات، فمن المتوقع أن يقوم المجلس النقدي بإيجاد الآليات اللازمة لضمان تدفق هذه البيانات دون تشويش وبما يخدم السياسة النقدية في منطقة الاتحاد النقدي الخليجي.
وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بشأن الفوائد المتأتية من الاتحاد النقدي الخليجي، إلا أن قياس هذه الفوائد يظل نسبياً وتظل النتائج الحقيقية بعد إنشاء الاتحاد النقدي هي الأكثر مصداقية بعيداً عن الافتراضات النظرية في دراسات التنبؤ الاقتصادية. أما بشأن اتفاق دول المجلس على اختيار العاصمة الرياض مقراً للبنك المركزي الخليجي فهو أمر كان مرجحاً لعدة أسباب منها كبر حجم الاقتصاد السعودي مقارنة بباقي اقتصاديات دول المجلس، سعي المملكة ومنذ البداية لأن تكون بلد المقر، ولتوافر أمور أخرى مساندة قد يكون أحدها وجود مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون في الرياض. فالأمانة العامة لدول مجلس التعاون وعلى الأخص وحدة الاتحاد النقدي تولت ومنذ البدء القيام بمهام التنسيق وإدارة عملية التحول إلى الاتحاد النقدي من خلال تصميم الاستراتيجيات وتوفير الدعم الفني والاستشاري بشأن معايير التقارب والجدول الزمني لتحقيق الاتحاد النقدي.
وقد ترتب على تأخر اختيار دولة المقر للبنك المركزي الخليجي تأخير قرارات وخطوات أخرى في طريق تحقيق الاتحاد النقدي من المتوقع لها أن تتسارع الآن بعد تعدي عقبة اختيار المقر. ففي نهاية المطاف، ليس من المتوقع أن يكون هناك أي تأثير لمقر البنك المركزي الخليجي في السياسة النقدية للبنك والعملة الموحدة لتعلق هذه الأمور بمعايير فنية واقتصادية بحتة تتعامل مع الأرقام بتجرد. وبشأن السياسة النقدية بمكوناتها التي تشمل تحديد أسعار الصرف، تحديد أسعار الفائدة، وتحديد عرض النقود، فمن المتوقع أن يتم تحديدها من قبل البنك المركزي الخليجي بعد أن يبدأ العمل فعلياً وليس من المتوقع أن يقوم المجلس النقدي بتحديدها من الآن نظراً لتغير الظروف الاقتصادية والحاجة إلى تأسيس مختلف وحدات البنك المركزي الخليجي قبل البدء بإدارة السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف.
وأخيراً، وبعد خطوة اتخاذ الرياض مقراً للبنك المركزي الخليجي، من المهم أن يتم التسريع بالخطوات اللاحقة من خلال دعم المجلس النقدي بالموارد المادية والبشرية ليتمكن من التعجيل بإطلاق البنك المركزي الخليجي والعملة الخليجية الموحدة في موعدها. كما يدل الاتفاق على اختيار الرياض مقراً للبنك المركزي الخليجي على أن اسم العملة الخليجية الموحدة وتصميمها لن يكونا محل خلاف بين الأشقاء في دول المجلس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي