جين "العناد"

لاشك أن التطور العلمي فتح آفاقا جديدة ـ بإذن الله ـ لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين ، العلماء على اختلاف مشاربهم يتسابقون مع الزمن لتسجيل أسمائهم في أجندة عظماء البشرية، حيث إن التاريخ بدأت تتقلص صفحاته وتشح إلا على الذين يسهمون في تقديم خدمات جليلة للإنسانية، ومن هؤلاء علماء من معهد "ماكس بلانك" الألماني، وهو بالمناسبة معهد متخصص في علوم المعرفة البشرية والمخ، إنه نوع من المعاهد تفتقده الدول العربية للأسف، وإن وجدته تجده مثل الديكور أو الدعاية لكيلا يقال إن العرب ليس لديهم مثل هذا المعهد، علماء ماكس بلانك الألماني اكتشفوا جينا مسؤولا عن العناد الذي يتسم به بعض الأشخاص، حيث اكتشفوا أن هناك طفرة جينية تؤدي إلى خفض إنتاج مادة تسمى "دوبامين" وهي تشبه سيارة التاكسي داخل المخ لأنها تقوم بنقل المؤثرات العصبية من خلية إلى خلية، وبعد اكتشاف هذه الطفرة سيستطيع العلماء بإذن الله القضاء على العناد وسيتمكنون بشكل كبير من تقليص حالات الإدمان ،فعندما يدمن الشخص ـ لا سمح الله - يقوم الجسم بأخذ حاجته من الدوبامين عن طريق المخدرات ويقل إفرازه من الجسم فكلما زادت كمية المخدرات نقصت مادة الدوبامين وهكذا إلى أن يتوقف الجسم عن إفرازها محدثا ألما جسمانيا وروحيا من الصعب تحمله،إضافة إلى أن الدوبامين يسهم في سرعة التعلم،الذي اكتشف الدوبامين هو عالم سويدي في الخمسينيات الميلادية وهو أول عالم يتوصل إلى حقيقة أنه هو الذي ينقل الإشارات في المخ وبسبب اكتشافه غير المسبوق الذي بين أن الدوبامين له علاقة مباشرة بالشلل الرعاش تم منحه جائزة نوبل عام 2000 م في الطب. واكتشافه هذا أدى إلى إثبات أن مرض الشلل الرعاش ناتج عن نقص مادة الدوبامين، فعندما ينقص هذا الدوبامين يصبح الشخص غير قابل للنصح من الآخرين ولا يحاول تصحيح أخطائه بل إنه يصر على تكرارها،أما الأشخاص الذين لديهم الدوبامين مرتفع فهم يقنعون من أول مرة ويسعون إلى تصحيح أخطائهم ويتقبلون وجهة النظر الأخرى دونما عناء في النقاش معهم، كثير من العلماء قبل اكتشاف هذا الجين مقتنعون أن العناد صفة وراثية وليست مكتسبة. إن اكتشاف هذه الطفرة الجينية التي تسبب انخفاض الدوبامين فتح الباب على مصراعيه لما كان يعتقده العلماء قبل الناس العاديين أنه لا يمكن تغيير السلوك البشري الوراثي أو الصفات الوراثية بالعلاج أو الطب النفسي ولم يكن يخطر في بالهم أنه ربما يأتي يوم من الأيام يتم فيه التحكم بالصفات الموروثة وعلاجها عن طريق مصدر خارجي للعلاج، ومن المتوقع ـ بقدرة الله سبحانه وتعالى ـ أنه سيأتي يوم يعالج فيه السلوك البشري مثلما تعالج فيه بقية أمراض الجسم كالصداع أو ألم البطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي