كيف نتحكم في ضغوط العمل قبل أن تحطم حياتنا؟ "2"
ناقشت في مقال الأسبوع الماضي الثمن الباهظ الذي تتقاضاه ضغوط العمل من صحتنا، تطرقت خلالها إلى المؤشرات التي تظهر على شكل أعراض في أجسادنا تخبرنا أن هناك ما يهدد حياتنا، كما عرضت المراحل التي يمر بها الموظف حتى يضعف ويستسلم وتتمكن منه الأمراض والعلل. وطرق التخلص من ضغوط العمل متعددة ومتفرعة ومتشابكة، وفي هذا المقال نريد أن نركز على مبادئ عامة التي يمكن الاستفادة منها في التعامل مع أي شكل من أشكال ضغوط العمل و قد حاولت إيجازها فيما يلي:
1 ـ عندما تداهمك الضغوط والمشكلات فلتعلم أنها لن تعمر طويلا وهي مرحلة يعقبها الضياء والنور، وعليك أن تستبشر لأن البؤس والشقاء يعقبهما السرور والهناء وأي شدة يعقبها غالبا الرخاء. وقد كان أحد الحكماء يستأنس بالمشكلات وبالمحن ويظهر ذلك جليا على محياه فيشرق وجهه وتتجلى البسمة على شفتيه، وعندما يُسأل عن سر هذا التصرف الشاذ يجيب بنشوة "علمتني الحياة أن المحن والأزمات تعقبهما عادة المنح والمسرات".
2 ـ عندما تداهمنا المصاعب و الضغوط فإننا عادة ما نحاول تخفيفها باستعجال حلها، أو بالهروب من مواجهتها، أو بالتخفيف من آثارها بالتمارين والترفيه ونحوه أو أن نتخذ المنحى الخطير من ممارسة بعض العادات الضارة. الضغوط إذا لم نديرها بفاعلية فإنها قد تورثنا عادات ذميمة لم نعرفها من قبل. ذكر لنا أحد المتدربين في إحدى الدورات الإدارية وهو موظف كبير في شركة مرموقة عندما جاء دوره ليعرض لنا كيف واجه ضغوط العمل. فقال: (في بداية حياتي الوظيفية داهمتني مشكلة في عملي كادت تفقدني صوابي وكنت في معية صديق لي يدخن بشراهة وأظن الدخان يدخل جوفه أكثر من الغذاء والماء. وفي قمة يأسي طلبت الإذن منه في أن استعير سيجارة من علبة سجائره الفاخرة لأخفف وطأة ما بداخلي، وأنا في الأصل لا أدخن لأنني من بيئة ترى التدخين رذيلة تعيب الرجال. فقال لي "إن مشكلتك هذه ستنتهي غدا، أو بعد غد أو بعد أسبوع، أما هذا الوباء - وأشار بإصبعه إلى السيجارة - فسيبقى معك طوال عمرك". هذه الجملة هي التي أعادت إلي توازني وأخرجتني من الظلمات إلى النور وظلت قاعدة استخدمها في حل مشكلاتي رغم مرور أكثر من 20 عاما). نستدل من هذه التجربة أن ضغوط العمل قد تفقدنا الحكمة فنرتكب حماقات قد ندفع ثمنها طيلة حياتنا. فعندما تعتريك مشكلة ما في عملك فاعلم أن هذه طبيعة التجمعات البشرية والعلاقات الوظيفية وستأخذ وقتها ثم تنتهي، وعليك ألا تضعف فتلجأ إلى آفات العصر لحل مشكلاتك الوظيفية فالضغوط والعقبات والمحن، كما قال المدخن الحكيم، ستنتهي ولكن الآفات والسلوكيات الخاطئة ستبقى، ويجب عليك أن تفكر في طريقة فعالة تخفف بها ضغوط العمل دون أن يكون لها آثار مدمرة ترافقك طوال عمرك وقد تستعجل نهايتك.
3 ـ إذا لم تستطع هاتان الوصفتان أن تلما جراحك فأذكرك ونفسي بأفضل طريقة نحفظ بها عقولنا ونشد بها من أزرنا عند تعاملنا مع ضغوط العمل ألا وهي "الصلاة". أظن أننا لم نستفد كثيرا من علاقتنا بالله التي توفرها لنا الصلاة وتربطنا بالخالق تبارك وتعالى، لأننا اختزلناها في شكل عادات نؤديها في أوقات محددة تنتهي علاقتنا بها بعد خروجنا من المسجد، وقد يؤديها بعضنا تملقا ورياء. إننا بالفعل لم نستفد من الصلاة في شد أزرنا لمواجهة ضغوط الحياة، كما أفادت محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومكنته وصحبه من قيادة العالم. لقد أدرك محمد والذين معه أهمية الصلاة فأيقنوا أن الإنسان مهما بلغت قواه ما زال محدود القدرات، قليل الحيلة، ضيق الأفق ولو لم يستند إلى قوة الله ـ سبحانه وتعالى ـ فسيظل يواجه مصاعب الحياة لوحده. وأروع ما كتب حول هذا الموضوع في رأيي ما ذكره ديل كارنيجي "ما أسهل أن يهزم الرجل الذي يخوض معارك الحياة بمفرده أما من يتخذ الله سندا ونصيرا فلن يُهزم أبدا"، ونحن نعلم أن كارنيجي هذا غير مسلم إلا أنه يوصي تلاميذه ومحبيه بتوثيق علاقتهم بالله، فالصلاة ليست حكرا علينا نحن المسلمين فكثير من عظماء العالم وأبرز قادته يمارسون الصلاة سرا وعلانية ويربطون علاقتهم بالله ليلا ونهارا. وإذا أرت أن تتأكد من صحة هذا فلتقرأ سيرة "أبراهام لينكولن" الذي وصفه قومه بأنه أعظم قائد رآه العالم، وهنري فورد الذي مافتئ يعمل 48 ساعة متواصلة حتى أخرج أكبر شركة سيارات عرفها التاريخ، و"غاندي" أبرز قادة الهند بعد "بوذا" صاحب المقولة المشهورة "لولا الصلاة لكنت معتوها منذ زمن" وغيرهم كثير.
هذه المبادئ الثلاثة هي في رأيي أبرز ما كتب عن كيفية التغلب على أي شكل من أشكال ضغوط العمل، وإذا أرت المزيد فعليك الرجوع إلى ما خلص إليه علماء السلوك الإنساني في المنظمات حول هذا الموضوع، فهناك قد تجد ضالتك، وما يروي ظمأك، ويقيل عثرتك، ويعينك على مواصلة حياتك الوظيفية والاستمتاع بها.