الإجازة ليست للعمل

منذ أكثر من 30 سنة لم آخذ إجازة من العمل ولا ليوم واحد وخلال كل هذه السنوات كنت أعمل بكل جد واجتهاد، بهذا الحديث أو الحوار حاول أن يدير النقاش حول الإجازة وعدم أهميتها وإن أخذها إضرار بالعمل ومصالح الناس، سؤال بعض من يعمل معه ويعرفه عن عطائه وقدرته على التطوير وكان الجواب أنه يملك خبرة سنة مكررة لمدة تزيد على الـ 30 سنة بمعنى أنه لا يضيف ولم يضف للعمل خلالها أي جديد هذا من جهة, ومن جهة أخرى، فإنه يخاف أن يترك العمل فيكتشف زملاؤه ورؤساؤه في العمل أن المؤسسة التي يعمل فيها لم تنهر أو يتأخر العمل فيها بسبب غيابه لفترة زمنية وأن غيابه لم ولن يؤثر فيها.
الإجازة في الأساس الهدف منها إعطاء الموظف أو العامل فرصة للراحة والاستجمام ومراجعة الذات وتقويم العطاء, خصوصا للموظفين الذين يتحملون مسؤولية تطوير العمل والإجراءات، لأن الخروج عن العمل اليومي والبعد عن المؤسسة التي يعمل بها الشخص لفترة أو فترات زمنية خلال العام تعطيه الفرصة لذلك التقويم الشخصي والعملي للأداء، ثم إن الإجازة واجبة للموظف حتى يريح المؤسسة منه وتتغير الوجوه التي هو حولها وهي حوله.
الاعتقاد أن الإجازة غير ضرورية اعتقاد خاطئ لأن سنة الكون تقوم على العمل والراحة بعد العمل, ولعل لنا في حركة الليل والنهار خير دليل على ذلك فلو جعل الله الحياة كلها عملا لتعب الجسم, وقل التكرار, ولكن جعل ساعات للعمل, وساعات للراحة, وساعات للنوم, وهي عملية متكررة يوميا ومثلها الإجازة الأسبوعية والفصلية والسنوية وغيرها من المناسبات التي يفرض النظام فيها الإجازة.
المصيبة هو أن يأخذ الموظف أو المسؤول الإجازة ثم لا ينقطع عن العمل خلال إجازته فهو في اتصال دائم إن لم يكن يومي بالعمل ومتابعة ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عنه في تصرف واضح إما لعدم الثقة في من يقوم بالعمل عنه أو ضعفه، سواء المسؤول أو من يقوم بالعمل بالنيابة.
إجازة نهاية الأسبوع الهدف منها الانقطاع عن الروتين اليومي وإعطاء النفس والروح الراحة التي تساعدها على بداية أسبوع جديد بفكر جديد وطاقة متجددة ورغبة في العمل، هذه الطاقة والفكر والروح تقتل داخل كل شخص لا يتمتع بها بمعنى أن يأتي مع بداية الأسبوع وهو لم يأخذ إجازة فيكون عطاؤه استمرارا للأسابيع السابقة, وهنا لا يحدث التغيير الإيجابي للعمل، لأن ذلك الموظف أو المسؤول لم يراجع ما تم عمله خلال الأسبوع ويقومه بعيدا عن ضغوط العمل وكثرة الأوراق والتواقيع، وعدم الراحة الأسبوعية تنعكس بشكل سلبي على التطوير حتى ولو أخذ الموظف أو المسؤول إجازة سنوية فإن تراكم الأعمال وتداخلها يصعب من القدرة على إعادة التقييم والتقويم للعمل وبهذا تصبح الإجازة السنوية نوعا من العمل المستمر، وفي هذا السياق أيضا يخطئ من يحاول استمرار التواصل مع المجاز خلال إجازته, خصوصا مع تطور وسائل الاتصال فترى البعض يصر على الاتصال بالمجاز ومحاولة مناقشته في أمور العمل حتى لو كان في بيت الراحة "أكرمكم الله".
الإجازة الأسبوعية والفصلية والسنوية الواجب أن يكون الهدف منها هو الانقطاع التام عن العمل وربما عن البرنامج الأسبوعي المعتاد وأن تكون للراحة مراجعة الذات وتقييم وتقويم الأداء والعلاقات الاجتماعية التي لا علاقة لها بالعمل وزملائه، حتى تتغير فيها الوجوه والأحاديث والتجارب، ويجب أن يعطي المجاز فيها كامل الحرية في عدم التواصل مع ما له علاقة بالعمل إلا في الظروف التي تتطلب مشاركته فيها وخصوصا أصحاب القرار ومن في حكمهم، ويستثنى من ذلك من يتطلب عمله المرابطة لفترات محددة يعوض عنها بإجازة لاحقة.
الإجازة والحديث عنها طال وتشعب بين مؤيد ومعارض لمفهومها ومتطلباتها إلا أن الأمر المتفق عليه هو أن أحد أهم الأسباب التي تضعف الأداء ولا تطور العمل ولا تجدد في العطاء هو الاستمرار الدائم في العمل خلال أيام الأسبوع والسنة في العمل والإجازات وعدم الفصل بين أيام العمل وأيام الإجازة أو بمعنى أدق عدم الفهم الواعي الحضاري لمفهوم العمل ومتطلباته والإجازة ومتطلباتها وكيف أن كل واحد منهما متى ما أحسن استغلاله واستثماره سينعكس بشكل إيجابي على الآخر.
ولهذا دعونا نعيش ساعات العمل كاملة بما يخدم العمل وساعات الراحة بما يحققها وساعات النوم في وقتها وأن نجعل الإجازة الأسبوعية والفصلية والسنوية إجازة لتجديد الروح وإراحة البدن وتغيير النمط اليومي وتقييم وتقويم إلى الأداء والعطاء نعيش خلالها حياتنا الاجتماعية البعيدة عن العمل ومفرحاته ومنغصاته، وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء عربي اللسان، إسلامي المعتقد، عالمي الطموح.

وقفة تأمل:
هي النفس ما حملتها تتحمل
وللدهر أيام تجود وتعدل
وعاقبة الصبر الجميل جميلة
وأحسن أخلاق الرجال التفضل
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة
ولكن عاراً أن يزول التجمل

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي