ماليزيا: هل ستحتل المركز الأول في صناعة المصرفية الإسلامية؟
تعد ماليزيا واحدة من أهم الدول الإسلامية في الشرق الآسيوي، وهذه الدولة ومنذ عام 1970م وهي تعمل بخطى متقدمة لتحسين الوضع العام في البلاد خصوصا الاقتصادي، فقد عملت ومن خلال خطط خمسية متعاقبة لترتقي بمستوى المعيشة لدى المجتمع، حيث كان تقريبا أكثر من 70 في المائة من الشعب حينها دون مستوى الفقر، خصوصا الملاويين الذين يمثلون الأغلبية لسكان ماليزيا، ومع العمل المتواصل استطاعت أن تصل ماليزيا إلى الحلم الذي أسهم في علاج المشكلة الاقتصادية التي يعانيها المجتمع بالتوسع في قطاع الصناعة وفتح مجالات واسعة للاستثمار الأجنبي وإيجاد فرص كبيرة لتحسين مستوى الدخل للأفراد، وإيجاد فرص أكبر للعمل وتحقيق مستوى جيد للدخل.
ونحن نشاهد اليوم ومع اشتعال المنافسة من كثير من دول العالم لاستقطاب الاستثمارات في مجال المصرفية الإسلامية، في دول مثل دبي والبحرين والمملكة المتحدة وغيرها من الدول، نجد أن التجربة الماليزية أصبحت اليوم تصدر تجربتها إلى العالم، وأصبحت تستقطب المتميزين من العلماء والباحثين في مجال المصرفية في العالم من خلال العمل في ماليزيا أو من خلال تقديم تجاربهم من خلال المؤتمرات وورش العمل والمحاضرات أو الاستشارات، للمساهمة في نهضة هذا القطاع.
ومن اللافت للانتباه الاهتمام الكبير على المستوى الحكومي بقطاع المصرفية الإسلامية، حيث دعمت الحكومة على مستوى الأنظمة والتشريعات لدى البنك المركزي لإيجاد نظام يتناسب مع وضع المصرفية، إضافة إلى النظام الأساس الذي وضع للبنوك التقليدية، كما أن البنك المركزي دعم إنشاء مركز للتدريب والتعليم والبحث وهو الانسيف INCEIF، وذلك باستقطاب عديد من العلماء والخبراء في مجال المصرفية، حيث إن هذا المركز يعمل فيه عديد من أبرز الباحثين في هذا القطاع، وهذا المركز يقدم الآن عديدا من المنح للطلاب من الماليزيين أو من خارج ماليزيا سواء كان بغرض الدراسة أو البحث، كما أن ماليزيا أصبحت تصدر تجربتها إلى العالم وذلك من خلال التعاون مع عدد من المؤسسات التعليمية والبنوك لتقديم البرامج التعليمية سواء للجامعات أو المعاهد وغيرها.
كما أن ماليزيا فتحت أبوابها للمصارف الإسلامية في العالم لتقديم خدماتها المصرفية داخل ماليزيا، فلديها اليوم خمسة بنوك إسلامية لا تقدم إلا المنتجات التي تعتبر متوافقة مع الشريعة، ثلاثة منها من خارج ماليزيا مثل بيت التمويل الكويتي وبنك الراجحي وبنك قطر الإسلامي، كما أن لديها بنكين محليين هما بنك معاملات وبنك إسلام، إضافة إلى عديد من البنوك التقليدية التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة، وهذه البنوك ملزمة بتعيين هيئات شرعية تشرف على عملها، كما أن لدى البنك المركزي هيئة شرعية مستقلة تابعة له للإشراف على ما تقدمه البنوك من منتجات ترى أنها متوافقة مع الشريعة.
كما أن ماليزيا اليوم تعد من أكثر الدول في العالم التي تقدم الصكوك التي تعتبرها متوافقة مع الشريعة، والتي تنبني على عقود مثل المشاركة والإجارة والمرابحة، وما زالت تصمم العقود والمنتجات والدورات والبرامج الأكاديمية التي لا تستهدف فقط ماليزيا بل لها انتشار أكثر في العالم خصوصا الخليج العربي.
وهذه التجربة لا يمكن أن نصفها بالكمال، إذ إنه من العزيز أن تكون هناك تجربة حديثة متكاملة، ولكن هذه التجربة لم تتجاهل النقص الحاصل فيها، بل إن هناك اتجاها كبيرا لتشجيع المتخصصين في العلوم الشرعية لدخول هذا القطاع وتقديم البحوث والدراسات والتأصيل الشرعي لقضايا المصرفية الإسلامية، وبالحديث مع كثير من المتخصصين في مجال المصرفية الإسلامية تجد أن هناك تأكيدا وبرامج عملية الآن لتحفيز طلبة العلم الشرعي للدخول إلى هذا القطاع، كما أن هناك حرصا على تضييق مساحة الخلاف بين العلماء في ماليزيا والعلماء في منطقة الخليج، خصوصا في مسائل مثل ما يتعلق بمسألة العينة وبيع الدين.
ويبقى لنا أن نتساءل: هل من الممكن أن نستفيد من مثل هذه التجارب لتعزيز قطاع المصرفية الإسلامية على المستوى المحلي، والحقيقة أنه من الواضح تنامي الاهتمام بقطاع المالية والمصرفية الإسلامية على المستوى المحلي، ولكن هذا الاهتمام لكي يؤتي ثماره لا بد أن يتحول إلى برامج عملية - وبوجهة نظر شخصية - أن تبدأ من مؤسسة النقد عبر تطوير برامج المعهد المصرفي ليكون أكاديمية متخصصة لتخريج المؤهلين من خلال برامج قصيرة ومتوسطة وطويلة تستهدف تصميم برامج للراغبين في حتى الحصول على درجة الماجستير والدكتوراه.
كما أنه من الممكن العمل على وضع الأنظمة والتشريعات التي تسهم في استقطاب رؤوس الأموال لهذا القطاع، إذ إن للمملكة تجربة متميزة فيما يتعلق بقطاع المصرفية الإسلامي عبر البنك الإسلامي للتنمية والحاجة اليوم إلى توسيع فرص انتشار مثل هذه التجربة والتجارب الأخرى على المستوى المحلي.