اعتراف المملكة بدولة كوسوفا

في الأسبوع الثالث من نيسان (أبريل) 2009 أعلنت المملكة العربية السعودية اعترافها بكوسوفا. وكانت كوسوفا قد أعلنت استقلالها في الثالث والعشرين من كانون الثاني(يناير) 2008 بناء على توصية قدمها مبعوث الأمم المتحدة، رئيس فنلندا السابق إلى مجلس الأمن. ومعلوم أن كوسوفا كانت إقليما يتمتع بالحكم الذاتي، وعندما بدأ تحلل هذا الاتحاد عام 1992 أعلنت كوسوفا إلى جانب البوسنة والهرسك وبقية الجمهوريات المكونة للاتحاد اليوغسلافي استقلالها ولكن جمهورية الصرب ـ أكبر جمهوريات الاتحاد مساحة وسكاناً ومركز الثقل فيها ـ انقضت على هذه الجمهوريات وأسفر هذا الانقضاض عن وقوع عدد كبير من جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الصرب ضد جميع الأعراق والأجناس والأديان وبشكل خاص ضد المسلمين في ملحمة مروعة تركت جرحاً عميقاً ووصمة عار في جبين الإنسان الصربي وقطعت الطريق على أية فرصة للتعايش بين الصرب وغيرهم، وهو ما أدى إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في كل يوغسلافيا السابقة.
أما كوسوفا فقد لقيت بعد مجازر الصرب في البوسنة أبشع الجرائم التي دفعت حلف الناتو إلى القيام بضربات جوية مكثفة  ضد بلغراد والجيش اليوغسلافي خاصة في كوسوفا عام 1999. ترتب على هذه المجازر أيضا- التي بحثها الممثل الخاص للأمم المتحدة - أن تقرر بصفه نهائية استحالة العيش المشترك.
 ووضعت كوسوفا، لإنقاذها من بطش الصرب، تحت الحماية العسكرية لحلف الناتو والإدارة المدنية الدولية للأمم المتحدة حتى تقرر إعلان استقلالها بقيادة الولايات المتحدة مما أدى إلى نتيجتين متناقضتين،
النتيجة الأولى إقبال عدد كبير من الدول الأوروبية الكبرى على الاعتراف بكوسوفا.
والنتيجة الثانية هي إحجام الدول الإسلامية عن الاعتراف بكوسوفا - رغم أن 90 في المائة من سكان كوسوفا مسلمون -  وذلك خوفا من أن يعد استقلال كوسوفا سابقة، وظنا من هذه الدول أن كوسوفا استقلت عن الصرب وليس عن الاتحاد اليوغسلافي.
هذا الاعتقاد بأن استقلال كوسوفا ليس سابقة بل هو خلاص لسكانها من بطش الصرب وبعد استقلال الجبل الأسود هو الذي فتح الباب أمام اعتراف الدول الإسلامية بكوسوفا حيث اعترفت بها تركيا والسنغال وماليزيا والإمارات العربية المتحدة.
ولكن اعتراف المملكة بما تمثله وبما ترمز إليه في المجال الإسلامي يعد نقطة تحول في الاعتراف الإسلامي بهذه الدولة الإسلامية الوليدة.
أما الدول التي لم تعترف حتى الآن بالدولة الجديدة فإنها لا تزال تعتقد أن كوسوفا قد استقلت عن دولة قائمة ورغما عنها، مما يعد انتهاكا لوحدة الدولة الصربية والقانون الدولي.
على الجانب الآخر تقف جمهورية الصرب وروسيا في مواجهة هذا الاستقلال ومنع الاعتراف بها، بل اعترفت روسيا بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جمهورية جورجيا على سبيل الكيد لواشنطن وجورجيا معا. ومن الملاحظ أن بعض الدول الكبرى داخل الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا تعارض هذا الاستقلال خوفا على وحدتها الإقليمية. ونحن نعتقد أن هذا العدد الكبير من الدول المعترفة بكوسوفا رسخ استقلالها وندعو كل الدول الإسلامية إلى دعم إخوانهم في كوسوفا الذين يتلهفون منذ اللحظة الأولى لاستقلالهم على هذا الاعتراف والدعم.
إنها قضية سياسية تتعلق بحق هذا الشعب في تقرير مصيره وليست قضية دينية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي