وزارة التجارة في عين العاصفة
واجهت وزارة التجارة خلال الأسابيع الماضية موجة من النقد المتواصل من قبل الصحافة والإعلام بسبب موجة الغلاء التي شهدتها الأسواق وطالت سلعا أساسية لا يستغني عنها المستهلك، كما أن اكتشاف هيئة الغذاء والدواء بعض السلع الاستهلاكية المسببة للسرطان في الأسواق ضاعف من هذا النقد, ولا سيما أن مختبرات الجودة النوعية التابعة للوزارة هي من سمحت لتلك السلع بالدخول إلى أسواق المملكة.
من جهتي أعتبر أن نقد وسائل الإعلام بشكل عام والكتاب بشكل خاص أمر محمود, بل مطلوبا إذا ما ارتكز على معطيات وأدلة واضحة ونية صادقة لتصحيح الوضع وفهم المشكلة المطروحة وتبعاتها، لكن معظم ما كتب عن وزارة التجارة لا يعدو كونه نفخا في قربة مشقوقة، لأن الوزارة ممثلة في مكاتبها في مناطق المملكة وبالإمكانات المتاحة لها لا تستطيع تلبية مطالب منتقدي الوزارة بمراقبة الأسواق والأسعار، لأنها حملت مسؤوليات أكبر من الإمكانات المتوافرة لها بغض النظر عن التقصير من عدمه، فعمل مثل مراقبة الأسواق يتطلب مئات وربما آلاف من الموظفين والسيارات والتدريب, وهذا لا يتوافر للوزارة.
التقصير الذي يمكن أن تدان فيه الوزارة إذا ما ثبت هو السماح للسلع المستورة غير المطابقة المواصفات من الدخول إلى أسواق المملكة رغم أنها تمتلك مختبرات للجودة النوعية كلفت الدولة الكثير من المال وتنتشر في المنافذ الحدودية كافة.
أعتقد أن التقصير الذي يراه البعض في عمل وزارة التجارة لا يمكن تبرئة وزارات أخرى منه مثل وزارة المالية ومؤسسة النقد ووزارة الشؤون البلدية ، فالغلاء الذي لحق بمعظم السلع في الأسواق لا يحمل وزارة التجارة بمفردها لأن وزارة المالية ومؤسسة النقد تتحملان الجزء الأكبر منه لأنهما لم تتحركا لضبط الضغوط التضخمية التي يمر بها اقتصادنا الوطني منذ مدة، بل أستطيع القول إنهما لم يقوما بأي عمل مهما صغر لمعالجة هذا الأمر، عدا التصريحات التي تقلل من شأنه.
مشكلة التضخم ليست خصوصية سعودية, فمعظم الدول الخليجية تعانيها, وكذلك باقي الدول العربية مثل اليمن والأردن وغيرهما. ولعل القاسم المشترك بين هذه الدول هو ربط عملتها بالدولار الضعيف واعتمادها على السلع المستوردة، ففي مثل هذه الدول لا يمكن عزل الغلاء وارتفاع الأسعار عن أسعار الصرف، أما التقليل من شأن هذا الموضوع أمر لا يمكن قبوله, خصوصا إذا أتى من مسؤول يفترض أنه ملم بمبادئ الاقتصاد الكلي.
كان جديرا بالمسؤولين في وزارة المالية ومؤسسة النقد أن يعترفوا بأن ارتفاع الأسعار كان بسبب استمرار ربط الريال بالدولار الضعيف، وكان بإمكانهم أيضا تبرير استمرار هذا الربط بدلاً من نفي صلته بالموضوع كما حصل.
أعود لوزارة التجارة لأقول إنها لا تستطيع أن تقوم بدور حماية المستهلك ومراقبة الأسعار وكان حريا بالمسؤولين فيها الاعتراف بهذا الأمر بدلاً من اللف والدوران حوله، فأقرب من يستطيع القيام بهذا الدور هم مراقبو البلديات المنتشرون في المدن كافة وبأعداد مقبولة بالتعاون مع جهاز الوزارة المركزي. كما أن الوزارة لا يمكنها القيام بدورين متناقضين في الوقت نفسه, فهي أسست لخدمة التجار وتسهيل أمورهم وحل مشكلاتهم ودعمهم لكنها وجدت نفسها تمارس دور الرقيب عليهم إضافة إلى عملها.
وحتى تتضح الصورة لك عزيزي القارئ فأنا لا أبرئ وزارة التجارة من التقصير, فهي مثل وزارات أخرى لم تطور عملها وتستغل الموارد المتاحة لها الاستغلال الأمثل, لكن الأمر يتطلب أيضا النظر بعين فاحصة إلى هذه القضية ومسبباتها الرئيسة، فالغلاء تعانيه جميع دول الخليج حتى أن مسؤولاً في إحدى الجمعيات التعاونية في الكويت ذكر أن ارتفاع الأسعار شمل أكثر من 30 ألف سلعة. من هنا فإن القضية ربما تكون من اختصاص وزارة المالية ومؤسسة النقد أكثر من وزارة التجارة التي لا تستطيع خفض أسعار ارتفعت من بلد المنشأ، وهذا لا يعني أيضا أن كثيرا من التجار ركب موجة رفع الأسعار دون مبرر مقبول, وهو ما ينبغي أن يعاقبوا عليه.
شخصيا أنتظر خطة إنقاذ من وزارة المالية ترتكز على المحافظة على القوة الشرائية للطبقة المتوسطة التي أضحت طبقة فقيرة بعد هذا الغلاء الفاحش، فيمكن على سبيل المثال دعم السلع الأساسية كما فعلت لمربي المواشي وأصحاب مشاريع الدجاج اللاحم في مادتي الشعير والذرة الصفراء، كما يمكن النظر في سعر صرف الريال مقابل الدولار, فالكويت بعد أن قامت بهذه الخطوة انخفض لديها التضخم بعد أن شهد ارتفاعات متواصلة، كما يمكنها إلغاء الرسوم على الأفراد مثل التأشيرات والرخص وغيرها.