الحلقة الأضعف في البنوك الاستثمارية
[email protected]
رخصت هيئة السوق المالية لنحو 50 شركة استثمارية، حيث أصبحت التراخيص لمثل تلك الشركات من السهولة لدرجة أنه لا يمر شهر حتى نسمع بإصدار ترخيص لإنشاء شركة استثمارية. وقد يكون للهيئة العذر في ذلك حيث تريد أن تتيح لكل من استطاع مقابلة المتطلبات الدنيا لمزاولة أنشطة الاستثمار وتترك لقوى وعوامل السوق فـرز الصالح من الطالح منها، لتبقى الشركات الأكثر تنافسية وقوة في السوق. فقد خرجت أوائل تلك الشركات من السوق (أو سحب الترخيص منها) لعدم بدء نشاطها خلال 12 شهراً.
هذه المقالة تحاول قراءة تجربة تلك البنوك الاستثمارية خلال المراحل الأولى من نشاطها في المملكة، حيث قسمنا الشركات إلى أربعة أنواع:
الأول: شركات استثمارية كانت تابعة للبنوك المحلية.
الثاني: شركات استثمارية كانت تعمل تحت اسم مكاتب استشارية.
الثالث: شركات استثمارية تابعة لبنوك عالمية وإقليمية معروفة.
الرابع: شركات استثمارية تبدأ نشاطها الاستثماري لأول مرة.
الشركات الاستثمارية التابعة للبنوك المحلية (النوع الأول) ستظل تمارس أنشطتها الاعتيادية نفسها في إدارة صناديق الأسهم في السوق المحلية والإقليمية والعالمية، مع إدارة محافظ خاصة لكبار العملاء. وبدأ البعض منها إنشاء صناديق متخصصة في العقار مثلاً. ومن المتوقع أن يظل الضعف موجوداً في هذا النوع من الشركات في جانب هيكلة وتمويل الشركة Corporate Finance، وإنشاء وإدارة صناديق التملك والاستحواذ.
وبالنسبة للشركات التي كانت تعمل تحت اسم مكاتب استشارية (النوع الثاني) فإنها استمرت في تقديم الاستشارات التي هي عبارة عن دراسات جدوى اقتصادية لإقامة مشروع ما أو إنشاء شركة ما. ولم يطرأ على تلك الشركات ومخرجاتها أي تحسن ملحوظ حتى الآن. وقد تضيف نشاط أعمال الوساطة والحفظ، وإنشاء الصناديق الاستثمارية، إلا أنها ستواجه عوائق متعددة تحد من قدرتها على المنافسة. وفي اعتقادي أن تقوية جانب هيكلة وتمويل الشركات والطرح الأولي للشركات هي ما ستركز عليه، لكنها تحتاج إلى قدرات فنية وبشرية أعلى من الكادر المتوافر لديها حالياً.
وستواصل الشركات الاستثمارية التابعة لبنوك عالمية وإقليمية معروفة (النوع الثالث) دورها في ترتيب تمويل المشاريع الكبيرة. وستـنشط في إصدار الصكوك الإسلامية والسندات للشركات والمشاريع بحكم خبراتها المتقدمة في ذلك, وبالتالي فإنها تشكل إضافة جديدة للسوق السعودية، حيث إنها تقدم حلولا تمويلية مبتكرة للمشاريع والشركات السعودية, وستنشط في حشد الاستثمارات الخاصة بإنشاء صناديق الاستحواذ والتملك لشركات سعودية وإقليمية، حيث من المؤمل أن نشهد تسارعا ملحوظا في هذا النشاط خلال الفترات المقبلة.
وستواجه الشركات الاستثمارية التي تبدأ لأول مرة (النوع الرابع) صعوبة وتحديات كبيرة في الدخول في أي من النشاطات الاستثمارية, ابتداء من أعمال الوساطة وانتهاء بتمويل وهيكلة الشركات. من هنا فليس مستغرباً أن تسحب رخصة إحدى الشركات تلك. ولن نستغرب سحب مزيد من تلك الشركات التي تبدأ لأول مرة. قد يبدأ بعضها بداية قوية بحكم رأسماله الكبير، إلا أن احتمال خروجها من السوق وارد في أي لحظة.
إن المصاعب التي تواجه صناعة الاستثمار بشكل عام وبأنواعه الأربعة هنا متعددة، وتختلف في صعوبته من نوع إلى آخر. لعل أهم المصاعب وأولها هي الخبرة التراكمية التي توجد بشكل أكبر لدى الشركات التابعة لبنوك عالمية وإقليمية معروفة. وثانيها الصعوبات الفنية والتقنية التي تتوافر بشكل أكبر للشركات التابعة للبنوك المحلية والتابعة لبنوك عالمية. وثالثها الموارد البشرية التي تجابه الشركات المبتدئة حديثاً على وجه التحديد، وتجابه شركات مكاتب الاستشارات ولكن بصورة أقل. ويمكن القول إن العوامل الثلاثة مجتمعة هي مصاعب كبيرة أمام النوعين الثاني والأخير من الشركات في تحقيق أهدافها، وبالتالي يصبح خروجها من السوق أمرا واردا.