Author

هل يكفي النظام لردع المخالفين وتحقيق الوقاية من التسمم الغذائي؟

|
نشرت وسائل الإعلام ومنها الصحف السعودية في الأيام القليلة الماضية أخباراً عن حالات للتسمم الغذائي ومخالفات للشروط والمواصفات الصحية اللازمة لسلامة الغذاء, ومنها على سبيل المثال اكتشاف معجون أسنان سام مستورد من الصين يُسبب حالات التسمم, مما يُثير قضية التوعية الصحية التي تظل دوماً قضية متجددة, وتتطلب يقظة دائمة من المسؤولين والمختصين والمواطنين والمقيمين على حد سواء, لأنها تمس أغلى وأهم ما يمتلكه الإنسان وهو صحته. ولقد تناولت في مقال سابق موضوع التسمم الغذائي, وأوضحت كيف أنه يُشكل نوعاَ من الإرهاب الموسمي لصحة المواطنين, وأشرت إلى أن هناك نظاماَ في المملكة يقرر عقوبات قاسية توقع بحق المخالفين, ومن ثم فإن الجانب القانوني فـي مجال السلامة الصحية من التسمم الغذائي يتمتع بأهمية خاصة في هذا المجال لسببين مهمين يتعلقان أولاً بالآثار المترتبة بعد حادثة التسمم وتحديد المخطئ, خاصة مع تعدد الأسباب التي تؤدي إليها وما تترتب عليه من جزاءات وغرامات؛ والسبب الثاني يتعلق بفكرة الردع العام الذي تعمل النظم على تحقيقه. ولكن على الرغم من ذلك تظل قضية التوعية الصحية للوقاية من التسمم الغذائي قضية محورية ومهمة في هذا المجال. ويقسم المتخصصون في مجال التغذية التسمم الغذائي إلى ثلاثة أنواع: التسمم الميكروبي الذي يحدث نتيجة وجود ميكروبات في الغذاء الذي يتناوله الإنسان, والتسمم الكيميائي وهو الذي يحدث نتيجة تفاعلات كيماوية في الطعام أي من العملية الإنتاجية للمادة الغذائية نفسها, وهي التي تُسبب التسمم كما تُسبب آثاراً جانبية أخرى, والتسمم الطبيعي وهو الذي يحدث نتيجة انتهاء صلاحية الغذاء, أي انتهاء المدة الزمنية المقررة له, والذي يكون عادة مكتوباً على الوعاء الخاص به. ومما لاشك فيه أن الوقاية من التسمم الغذائي يُمكن أن تتحقق من خلال عدة محاور أهمها: المستهلك ذاته الذي يجب عليه أولاً أن يحافظ على صحته وذلك أن يتأكد مسبقاً من مدى صلاحية الغذاء قبل تناوله, ثم إذا حدثت حالة تسمم فيجب عليه أن يقوم بالتبليغ الفوري للجهات الحكومية المسؤولة عن الرقابة على الأغذية وعدم التساهل أو التستر على كل من تُسول له نفسه أن يخرب في الصحة العامة, بل يُمكن للمستهلك أن يقوم مباشرة بتبليغ وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية, ويجب عليه أن يتأكد من تاريخ الصلاحية المكتوب على السلعة الغذائية قبل أن يشتريها. ولا يجوز أن نُهمل الدور المهم الذي يقع على عاتق مستوردي المواد الغذائية, حيث يقع عليهم التزام مهم بمراعاة المواصفات والشروط الصحية, وعدم استيراد مواد غذائية منتهية الصلاحية أو تحتوي على مواد ضارة بالصحة العامة, والعناية بتخزينها وتبريدها عند النقل وفي أثناء وجودها بالجمارك والمخازن ولاسيما مع ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف. ثم يأتي دور أصحاب المحلات التجارية الذين يجب عليهم الالتزام بالمحافظة على سلامة الغذاء, وحسن اختيار العمال في المحلات الغذائية كالمطاعم, وخاصة مطاعم الوجبات السريعة, ومحلات البقالة وغيرها والمستشفيات, وتوعيتهم بضرورة مراعاة ضوابط التخزين والتبريد والنقل, وأن يتم الكشف الطبي عليهم بصفة دورية للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية, ومراقبة مدى نظافتهم أثناء إعداد الطعام, وألا يسمح لهم بالعمل إلا بعد تدريبهم على العمل لفترة كافية. ونرى أيضاً أنه يلزم, لضبط الحالات المخالفة للأنظمة وتحقيق الوقاية من التسمم الغذائي, تدريب المراقبين الصحيين من خلال إعداد وتنفيذ دورات تدريبية لهم في مجال عملهم, ومنحهم السلطات والصلاحيات الكافية لاتخاذ الإجراء اللازم عند ضبط حالات التسمم في الوقت المناسب, وأن يتم التفتيش المفاجئ بصفة دورية على المحلات. وإضافة إلى ذلك هناك التوعية الصحية التي يجب أن تقوم بها الجهات المعنية في وزارة الصحة ووسائل الإعلام, وأن يتم تفعيل شعار (الصحة مسئولية الجميع), فليس هناك أهم وأغلى لدى الإنسان في هذه الحياة من صحته, ومن ثم يجب أن يتم الضرب بعصا من حديد على يد كل من يعبث بصحة الآخرين لتحقيق مكاسب مادية, بتفعيل العقوبات التي نصت عليها الأنظمة المعمول بها في البلاد, ومراجعتها بصفة دورية, والعناية بمن يقومون بتطبيقها, والعناية بمعامل التحاليل التي تتولى فحص عينات الغذاء عند عرضها عليها خلال مدة معقولة ومناسبة. كما أن هناك مسألة مهمة تتعلق بالتداخل والازدواجية في الاختصاصات بين المراقبين الصحيين التابعين للبلديات والمراقبين الصحيين التابعين لوزارة الصحة؛ لهذا يلزم التنسيق بينهم وتجنب الازدواجية في اختصاصاتهم. فضلاً عن أنه من الضروري مراقبة البائعين الجائلين الذين ينتشرون على بعض الطرق, وذلك بعدم السماح لهم بالبيع إلا بعد منحهم رخصة ومراعاة الشروط الصحية لسلامة الغذاء, وتزويد المراكز الصحية المنتشرة في المملكة بعدد كاف من المراقبين الصحيين وبالوسائل التي تكفل قيامهم بمهامهم على النحو الأفضل. وفي الواقع إن تحقيق الحماية الصحية الفعالة للمواطنين وعدم الإضرار بها يقتضي وجود هيئة صحية سعودية موحدة لسلامة الغذاء والدواء, وذلك على النحو المعمول به في بعض الدول المتقدمة. وفـي ضوء ما سبق نرى أن قضية التوعية من مخاطر التسمم الغذائي وحماية الصحة العامة والمسؤولية عنها تقع على عاتق الجميع فـي البيت والمدرسة ووسائل الإعلام والمختصين, فالوقاية من التسمم الغذائي تُعد مسؤولية الجميع.
إنشرها