القبول في جامعاتنا من الباب الخلفي
أقفلت الجامعات السعودية أبواب القبول بعد تغطية قدرتها الاستيعابية والتي لم تستوعب أكثر من 10 في المائة من عدد المتقدمين إليها، وهي نسبة لا تتوافق مع الإمكانات والطموحات في دولة مثل المملكة والتي كانت مدار نقد واسع وشكوى مرة مما لسنا في حاجة لتكراره. وكان إقفال باب القبول الرسمي والنظامي بهذه النسبة المتدنية إقفالا نهائيا في كل جامعاتنا، إلا أنها فتحت بابا خلفيا يتيح الفرصة لمن لم يتم قبوله منتظما، قبوله من خلال ما سُمي البرامج التأهيلية أو الانتساب مدفوع القيمة، والأول يكلف الطالب 16 ألف ريال في السنة الواحدة ويعامل كالطالب المنتظم العادي وإذا حقق نسبة 3.75 يتحول لطالب منتظم مع ميزة حصوله على مكافأة شهرية قدرها ألف ريال في البرامج التأهيلية، وفي الثاني يدفع الطالب ستة آلاف ريال للسنة ليكون منتسبا وتقدم له دورة مدتها أسبوعان في كل فصل دراسي، وهذا مستغرب فعلا، لأن جامعاتنا الحكومية المكلفة بالتعليم المجاني لجأت للتعليم الجامعي الخاص من باب خلفي وإن كان برسوم معقولة، فما نعرفه أنها مكلفة بتعليم أبنائنا وبناتنا دون مقابل، أما أن تحدد المجانية بنسبة محددة وتفتح بابا آخر لمن يدفع فهو محل تساؤل. وهنا نسأل: ألم يكن من الأجدى وبما يتوافق مع مجانية التعليم لو أنها فتحت هذا الباب الخلفي دون تكاليف مادية لكونها جامعات حكومية يفترض أن تقدم تعليما جامعيا مجانيا؟ وأليس من الإجحاف أن يقبل طالب سعودي بالمجان ويمنح مكافأة مالية قدرها ألف ريال، وطالب سعودي مثله في المواطنة لا يقبل إلا إذا دفع للجامعة مبالغ مالية؟ بلى والله .. خصوصا أن الدولة ـ وفقها الله ـ لا تفرق ما بين مواطن وآخر في حقوق المواطنة، خاصة في فرص التعليم الذي تقدمه مجانا، بل تقدم لأبنائها الطلاب تشجيعا ماليا في كثير من المؤسسات التعليمية، ومنها الجامعات، من أجل حثهم على التعلم.
ليس بين يدي إحصائية عن عدد الطلاب الذين سيتم قبولهم في البرنامج الدراسي التأهيلي وكذلك في الانتساب في الجامعات الحكومية المدفوع القيمة ولكني أزعم أنهم آلاف الطلاب. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو: إذا كانت الجامعات قادرة على استيعاب هذه الأعداد الإضافية خاصة في برنامج السنة التأهيلية، فلماذا لم تقبلهم كما قبلت غيرهم من الطلاب؟ فهذا يعني أن لديها إمكانية قبول أعداد أخرى، فكيف إذن تطالبهم بمقابل مالي وبما يتعارض مع سياسة الدولة في حق المواطن في التعليم المجاني؟
هناك من يقول إنها اضطرت لذلك لمواجهة الأعباء المالية التي ستترتب عليها جراء فتح شعب إضافية، ومن هذه الأعباء صرف بدل للدكاترة الذين سيحملون ساعات تدريس إضافية، وكذلك صرف مكافآت للطلاب، وهذه حجج مردود عليها ومبررات غير مقبولة، فالدولة لم ولن تقصر في دعم ميزانية الجامعات في هذه الحالة ولهذا الغرض بالتحديد.. أما تحمل المكافأة الطلابية فأمرها سهل فهؤلاء الطلاب مع أحقيتهم بها لكونها تصرف بقرار سام لكل طالب جامعي سعودي، إلا أن الدافع الأول للرغبة في الدراسة الجامعية هو العلم وليس المكافأة، ولهذا فإن هؤلاء الطلاب مستعدون ومتقبلون أن يحظوا بقبول دون مكافأة، ولذا فقد كان بإمكانهم فتح شعب مسائية لمن لم تشمله نسبة القبول وكذلك لأصحاب النسب المتوسطة دون مكافأة مالية، وتشترط على من يريد أن يحصل على كامل المميزات حصوله في السنة الدراسية الأولى على معدل مرتفع دون تكليفه بدفع مبالغ مالية، فهي جامعات حكومية والدولة قادرة ولله الحمد على تحمل أي مصروفات إضافية، خصوصا أنها ستوفر مبالغ المكافآت في السنة الدراسية الأولى، ومن لا يحقق المعدل المطلوب يبقى دون مكافأة، ويُحَل جزء كبير من مشكلة القبول.
في ضوء ذلك، فإني أتوجه أولا لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ـ وفقه الله، وثانيا لمعالي وزير التعليم العالي، أن يعاد النظر في هذه الرسوم الدراسية التي تؤخذ حاليا من الطلاب المقبولين في السنة التأهيلية والانتساب بإلغائها عنهم. ولخادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ مبادرات خير كثيرة آخرها قريبة محمودة حينما أصدر أمره بإعفاء الطالبات المنتسبات في كليات المعلمات من الرسوم الدراسية، فالخير كثير ووفير ولله الحمد، والمواطن لم يعد قادراً على تحمل أعباء إضافية ترهق دخله أكثر مما هو مرهق بسبب الغلاء الذي أخذ يضرب بلا هوادة هذه الأيام، خصوصا فيما له صلة بمستقبل أبنائهم. ولا نظن أن في ذلك ضغطاً على المصروفات مع توقع فائض كبير هذا العام في الدخل، والذي رجحت بعض المصادر المالية أن يصل إلى 153 مليار ريال ولله الحمد، جرّاء سعر النفط المجزي، كما أن هناك أبناء أسر فقيرة لا تقدر حتى على هذه الرسوم التي يراها البعض رمزية تتطلع أن تشمل أبناءهم مجانية التعليم الجامعي أسوة بغيرهم ممن شملتهم نسبة القبول المجاني وبعضهم حاصل على معدل يوازيهم.