متى يتم استقلال المحاماة في السعودية (2 من 2 )

[email protected]

حسب تصريح معالي وزير العدل لجريدة "الجزيرة" في العدد 11198 وبتاريخ الثلاثاء 26/3/1424هـ بأن الوزارة تعتزم إنشاء هيئة المحامين السعوديين، وكذلك تصنيف المحامين وفق تدرج المحاكم، حيث لا يحق للمحامي الترافع أمام جهة قضائية أعلى من جهة لم يترافع أمامها من قبل، وصرح أن التنظيم القضائي المقبل يتكون من المحكمة العليا، ثم محاكم استئناف ثم المحاكم العامة، هذا إضافة إلى إنشاء محاكم جديدة تختص بالقضايا العمالية والتجارية ومحكمة الأحوال الشخصية وتحويل المحاكم الجزئية إلى محاكم جزائية تختص بالنظر في القضايا الجنائية، وهذا النظام والترتيب القضائي سينعكس تنظيماً على أعمال المحامين.
ونظرا لسعي الوزارة توقف اللجان الاستثنائية وعودة عملها إلى المحاكم المختصة، تنفيذا للأمر الملكي الكريم رقم ا/14 وتاريخ 23/2/1426هـ، والذي يأتي مواكباً للتنظيمات القضائية في العالم الإسلامي.
ولكن أستأذن مقام الوزارة توضيح نقطة مهمة، وهي عبارة (القضاء الشرعي) التي ما زالت متداولة لدينا!! فهل يعني ذلك أنها ( عبارة ) للتفريق بينها وبين الأنظمة الوضعية مثل (نظام العمل - نظام الشركات – نظام التأمين – نظام التحكيم) مع أنها أنظمة قضائية، وتشريعاتها نظامية؟
نقطة نظام ونقف عندها ونقول إن القضاء السعودي يجب أن يكون كتلة مترابطة، وليس أجزاء (مبعثرة) فالقضاء الشرعي تُفترض فيه شموليته بإصدار أحكامه على كامل القضايا بجميع أنظمتها والتكيف مع مفهوم التشريع الوضعي بما لا يتعارض مع ثوابت الأحكام الشرعية، وليس هناك سبب وجيه أو مانع شرعي يحد من أن القضاء الشرعي لا تدّخل ضمن نصوصه القضائية تشريعات يضعها رجال (القانون) في جميع التخصصات الإدارية والاقتصادية والمالية، وبالتالي تكون الأنظمة جميعها ضمن منظومة قضائية واحدة.
أعود بعد ذلك إلى حقوق المحامي في المحاكم القضائية، وأقول إن المحامي ليس منافساً للمحكمة أو خصماً للقاضي، بل يقتصر دوره على سرد الحجج وتقديم البراهين وعرض وجهة نظر موكله بأسلوب قانوني يرتقي إلى المستوى العلمي والمهني للقاضي في المحكمة.
والمحامين عون للقاضي، وعون للخصوم، وأداة فاعلة لتسليط الضوء على جانب من النزاع قد يهم الخصوم أكثر مما يهم المحكمة، وذلك من منطلق إثراء البحث القانوني للنزاع ولفت انتباه القضاة إلى مسائل قد تكون أساسية في القضية.
وتفعيل نظام المحاماة يأتي مواكباً للعديد من الأنظمة وأهمها نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ومن هنا يتضح أن الترافع والإثبات والاستئناف ودور النظام الإجرائي مرتهن بوجود محامٍ يطالب بتطبيقه باعتباره أداة عدالة يحق للخصوم استخدامها ما دام القانون أعطى الحق في استخدامها.
إن المحامي السعودي يعد من أعوان القاضي وعنصرا مهما في إجراء المحاكمة العادلة، سواء كانت قضية مدنية، أو دعوى جنائية يترادف فيها الحق العام بالحق الخاص.
وبعد هذا التوضيح لا يعقل أن تستمر معاملة المحامي في بعض (الأحيان) في المحاكم العامة على أنه دخيل على نظام العدالة، أو أنه يسعى إلى تحقيق أتعابه المادية فقط، أو أنه يمارس التدليس على المحكمة، أو أنه يمتهن المرافعة الخطابية، متناسين بذلك الدور المهم الذي يقوم به (المحامي) في خدمة الخصوم وإرشادهم إلى الطريق القانوني لأخذ حقوقهم وحمايتهم عن طريق القضاء.
وبما أن هذه النظرة لا تزال سائدة، بل ويتمسك بها (بعض) القضاة باعتبارها رأياً شخصياً له، إلا أنه يلحق ضرراً جسيماً بإجراءات التقاضي، وحقوق الخصوم الإجرائية التي نص عليها النظام وأسندها إلى المحامين في ظل ترتيب نظامي دقيق لدور المحامي وعمله الذي يفرض عليه أن يخدم موكله.
ولعل أبرز الحالات التي تؤثر في استقلال المحامي مهنياً هي (الاختصار) في مذكراته، أو أن يصادر حقه في المرافعة الشفهية، ويطلب منه تقديم مذكراته ومستنداته فقط دون مرافعة شفهية استناداً إلى أن القضية مفهومة للمحكمة ولا تحتاج إلى المزيد من الشرح أو أنها إهدار لوقت المحكمة.
انتقل قبل الختام إلى القطاعات الأخرى التي تتفاعل مع مطالبات المجتمع القانونية، وآخرها قرار مجلس غرفة جدة بإنشاء مركز جدة للقانون، وتعيين الزملاء الأستاذ معتصم خاشقجي والدكتور طارق آل إبراهيم والأستاذ عوض الهبيلي لعمل النظام واللائحة التنفيذية، وقرار المجلس استمددته من نصوص وروح النظام الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/6 وتاريخ 30/4/1400هـ. فالغرفة التجارية باعتبارها نظاماً (هيئة) لا تستهدف الربح ولها شخصيتها الاعتبارية فقد منحها النظام صلاحية التمثيل في دائرة اختصاصها، بل أوجب عليها النظام حماية تلك المصالح وتطويرها في نطاق العون القانوني والمشورة التي تستند في جوهرها إلى التشريعات والأنظمة والتعليمات والتعاميم والإجراءات والخدمة القانونية عموماً.
وبالتالي فإن مركز جدة للقانون سوف يصبح أحد أهم المراكز السعودية وأكثرها حاجة وأبلغها أهمية خصوصاً أنه ومن ضمن أغراض ومهام المركز إنشاء مركز مستقل للتحكيم كذراع أساسية من أذرع مركز جدة للقانون وذلك بإمكانيات وقدرات متطورة وكوادر مؤهلة ومتميزة.
إن الجهود التي تبذل من قبل الدكتور سعود المشاري مدير الشؤون القانونية في مجلس الغرف، ومن الدكتور ماجد قاروب رئيس لجنة المحامين في غرفة جدة، قد أسهمت بشكل مباشر في تفعيل نظام المحاماة ودعم القانونيين، حيث صدر قرار وزير التجارة والصناعة على قصر الترافع للشركات في المحاكم القضائية على (المحامي) المرخص له من وزارة العدل تطبيقاً لما جاء في نص المادة (18) من نظام المحاماة.
ختاماً لقد أسهمت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بتبنيها دراسة حول تمكين (المحامية) السعودية لدخول مجال المحاماة ورفعها للمقام السامي، وقد احتفلت الجمعية الأسبوع الماضي بتخريج الدورة التدريبية الأولى لـ 24 محامية، وكانت الدورة لاكتساب الخبرة الميدانية والنظرية في مجال حقوق الإنسان في مقر الفرع في جدة، ومن المأمول أن يتواكب دور (المحاميات) السعوديات في المستقبل القريب مع إنشاء محاكم الأحوال الشخصية وغيرها من المحاكم العامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي