يا جامعاتنا .. أين يذهب أبناؤنا..؟

[email protected]

في هذه الأيام تكثر الاتصالات بين المعارف والأصدقاء، وكل يبحث عن الآخر عن وساطة (والبعض يسميها شفاعة.. ألطف..) أو معرفة مثمرة تساعد على تسجيل ابنه أو ابنته في جامعة، ولا تكاد تجلس في مجلس إلا ويكون الحديث الأهم فيه هو الشكوى المرة من صعوبة الحصول على قبول للأبناء والبنات في إحدى جامعاتنا، بل وصل الأمر إلى أكثر من هذا، فبعض الحاصلين والحاصلات على نسب عالية تفوق 90 في المائة لم يوفقوا بقبول بسبب عدم القدرة على الاستيعاب، والشهادة لله فإن إدارات القبول والتسجيل في جامعاتنا عادلة جدا في قبول المتقدمين إليها، فلا تقدم أحدا على آخر إلا في حالات نادرة وخارج إرادتها، ولكن هذه العدالة مع إيجابيتها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بصلب المشكلة، فالمشكلة ليست في التجاوزات، بل في القدرة الاستيعابية مما يترك الغالبية من خريجي وخريجات الثانوية في الهواء غير الطلق يتضرسون الحسرة بسبب أن النسبة التي تستطيع جامعاتنا قبولها لا تقارن بنسبة من يتقدمون إليها، وهنا يلح سؤال هو: يا جامعاتنا.. أين يذهب أبناؤنا في هذه الحالة..؟ وما الحل..؟
أما أين يذهبون؟ فالجواب مفتوح على مصراعيه ولكنه جواب لا يشفي ولا يقنع، ومن أبوابه المفتوحة أن يضطر الآباء لتغريب أبنائهم أو بناتهم في إحدى دول جوارنا، التي لا تقارن بإمكانياتنا، تتوافر فيها جامعات خاصة كثير منها افتتح على حس الطلاب السعوديين الذين لن يجدوا أماكن في جامعات بلادهم (مملكة البحرين مثلا فيها أكثر من 20 جامعة خاصة معظم طلابها من السعودية)، وهذا خيار لا يفضله كثير من الآباء لأبنائهم في هذه السن ولأسباب كثيرة، أو الاضطرار إلى إدخالهم جامعة أو كلية أهلية وعددها محدود مع مبالغ رسوم باهظة لا يقدر عليها إلا القلة من الأثرياء والأغنياء، ومن قد يجادل في مقارنة المصاريف، فالمقارنة في صالح جامعات الجوار.
السؤال المحير هو كيف لم نستطع، ويفترض أن لدينا إحصائيات مسبقة بأن أعداد الطلاب في ازدياد، من توفير فرص تعليم جامعي تستوعب الازدياد المتوقع في الطلاب وليس جميعهم، ولكن غالبيتهم على الأقل..؟ هل هو نقص في الإمكانيات..؟ بالقطع لا، هل هو تهاون أو نسيان..؟ ربما، هل هو غياب الخطط المستقبلية..؟ بالتأكيد نعم، وإلا لما بتنا نعاني من مشكلة مؤثرة كهذه المشكلة ذات الأبعاد العديدة كل هذه السنين المتتالية، وهذا يستدعي سؤالا آخر وهو: هل من الصالح العام ترك غالبية طلابنا وطالباتنا خارج أسوار التعليم الجامعي دون وجود بدائل لهم.. أم العمل على استيعابهم فيه..؟
المشكلة ليست بسيطة أو مما يمكن تركها للزمن، بل تتطلب منا حلولا فاعلة وعاجلة، ومنها زيادة القدرة الاستيعابية ليس فقط في جامعاتنا، بل حتى في الكليات العسكرية وغير العسكرية، وهناك حل إضافي ومطلوب وهو التوسع في إنشاء جامعات أهلية أو خاصة تحت إشراف وزارة التعليم العالي وبمشاركتها أيضا. فالقطاع الخاص يجب أن يدعى لإنشاء جامعات مع تسهيلات واسعة ومشجعة له، وإنشاء مثل هذه الجامعات سيخفف العبء على الدولة ويقلل من تكاليف قيامها بفتح جامعات، ويمكن هنا اتباع آلية تؤمن واجب الدولة بتقديم التعليم المجاني ولكن بأقل تكلفة، وهذه الآلية هي أن تحول الأعداد التي لا تستطيع الجامعات الحكومية استيعابهم إلى الجامعات الخاصة مع تحمل الدولة رسوم دراستهم فيها لمن هو حاصل على تقدير جيد فما فوق، أما الحاصل على ما دون هذا التقدير، أي مقبول، فليتحمل مسؤولية نفسه وهو ما سيدفع الطلاب إلى الاجتهاد طمعا في مجانية التعليم، فالدولة تصرف للطالب المنتظم مكافأة شهرية مقدارها ألف ريال، أي في العام 12 ألف ريال، وهذا مبلغ يكفي لرسوم جامعة خاصة مع ما يمكن أن تقدم لها من دعم كتحمل راتب مديرها ونسبة من رواتب كادرها التعليمي السعودي، وأظن أن تحمل الدولة لرسوم الجامعات الخاصة ودعمها ماديا أقل تكلفة مما لو قامت بإنشاء جامعات والصرف عليها من الألف إلى الياء، وقد يرى البعض أن مثل هذا الحل مثاليا وطوباويا أكثر من اللزوم، وقد يكون صحيحا ولكنه على دولتنا، وفقها الله، ليس كذلك وهي التي قدمت لشعبها الكثير مما يراه غيرنا أحلاما. وفتح الاستثمار في التعليم الجامعي أمام القطاع الخاص معمول به في كل بلاد الدنيا، وفيه فوائد اقتصادية على البلد حين تفتح قنوات استثمار يخدم البلد ويحفظ أمواله، بل ويجلب أموالا أجنبية مع الإشراف الكامل من قبل الدولة لضمان الجودة التعليمية بالدرجة الأولى.
المحصلة من ذلك كله أنه لا يعقل في بلد أغناه الله وأمامه شوط طويل لتحقيق نهضة مستمرة يحتاج فيها إلى كوادر بشرية متعلمة ومدربة يعاني من مشكلة توفير تعليم جامعي بشتى فروع العلم المختلفة لمعظم أبنائه كما هو حادث اليوم، كما أنه لا يعقل أن نقف حائرين أمام مشكلة لا بد من إيجاد حلول لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي