اعقلها وتوكل يا دكتور ..
لا تُعرف حتى اليوم الأسباب الحقيقية لانهيار سوق الأسهم في شباط (فبراير) 2006 ولا يمكن الجزم بأي طرح يقال في هذا السياق, إذ لم تصرح الجهة المشرفة على السوق بشيء من هذا ولا أعرف حتى هذه اللحظة إن كانت هيئة السوق المالية قد شكلت لجنة تحقيق داخلية لهذا الغرض أم لا, كما أنني لا أعرف أن خبيرا أو مهتماً أو بيت خبرة قام بدراسة حول هذا الموضوع, وربما يعود الأمر في اعتقادي إلى أن أي دراسة من هذا النوع تحتاج إلى معلومات وافية لتعاملات السوق خلال الأشهر الستة التي سبقت الانهيار, وهذه غير متوافرة, ومع هذا ظهرت تحليلات وآراء كثيرة تدور في فلك تفسير الانهيار المفاجئ لكنها لا تعتمد على أدلة ملموسة أو قرائن قوية يمكن أن يعتد بها, فغلب عليها طابع التكهنات والانطباعات وغُلف كل رأي بثقافة كاتبه وقربه وبعده من السوق وكبار المتعاملين فيها.
أتذكر أنني كتبت بعد الانهيار مطالبا بلجنة تحقيق محايدة لأن ما حصل ليس أمرا اعتياديا يمكن تمريره بسهولة, بل يصنف بالكارثة الوطنية, فخسارة السوق أكثر من 1200 مليار من قيمتها السوقية أمر خطير وبالغ الأهمية, كما أنني عددت في مقال آخر نقاط الضعف في سوقنا المالية وذكرت منها عدم عدالة مؤشر السوق واعتماده على أسهم لا تتداول, وهذا يفقده الدقة من جهة ويسهم في الإخلال بمعادلة العرض والطلب من جهة أخرى, كما أنه يساعد فئة قليلة من كبار المتعاملين على الإمساك برقبة السوق – إن جاز لي التعبير- والتأثير فيها صعودا وهبوطا والتأثير في الأسعار بسبب امتلاكها أسهما في شركات كبرى ذات ثقل كبير في المؤشر بينما لا يتداول جزء كبير من أسهمها في السوق مثل "سابك" و"الكهرباء" بالذات, وبعض الشركات الأخرى.
لا أعرف أي سبب وجيه يمنع هيئة السوق المالية, خصوصا مع تتالي الاكتتابات في الآونة الأخيرة, من إعادة بناء مؤشر الأسعار من جديد بحيث يأخذ في الاعتبار الأسهم التي تتداول فعلا في السوق وتستبعد أسهم الحكومة وكبار المستثمرين الذين يمنعهم النظام من تداول أسهمهم إلا بعد مرور مدة زمنية محددة للشركات الجديدة.
من هنا أطالب رئيس هيئة السوق المالية, وهو الرجل العارف بما يدور في دهاليز السوق المؤتمن عليها الذي لا أشك في إخلاصه وتأهيله وفكره وخبراته, بأن يبادر بتصحيح هذا الوضع الخطير, فإجراء مثل هذا سيعيد للسوق قوتها وسيضفي عليها صفة الكفاءة والعدالة, كما أنه سيمنع أي مستثمر فرد أو مجموعة مستثمرين متضامنين من التحكم فيها صعودا وهبوطا, ولعلي هنا اختصر مقترحي بالنقاط التالية:
أولاً: يتم استبعاد حصص الحكومة المباشرة التي يمتلكها صندوق الاستثمارات العامة وغير المباشرة التي تمتلكها كل من مؤسستي التقاعد والتأمينات وفي حالة رغبة أي منهما في بيع أجزاء من الأسهم التي تمتلكها يتم ذلك من قبلهم وبشكل سري شريطة إبلاغ الهيئة بعد ذلك كي تضيف الأسهم المباعة لمؤشر الأسعار.
ثانياً: يتم استبعاد حصص المؤسسين في الشركات الجديدة التي لا يسمح النظام ببيعها إلا بعد مرور مدة زمنية محددة نظاما, على أن تتم إضافة أي أسهم يتم بيعها بعد انقضاء المدة لمؤشر الأسعار بعد إبلاغ الهيئة بإتمام عملية البيع وتأكدها من ذلك.
ثالثاً: يتم استبعاد حصص الملاك الكبار الذين يمتلكون حصصا تزيد على 5 في المائة إذا انقضت سنة كاملة دون تحريكها مثل حصص ملاك بعض البنوك وشركات الأسمنت وغيرها التي مضى على بعضها سنوات طويلة دون تحريك، على أن تتم اضافة أي أسهم يتم تحريكها بعد إبلاغ الهيئة وتأكدها من ذلك.
وليسمح لي رئيس الهيئة بأن أكمل هذا المقترح بذكر الأسباب الموجبة له, التي يأتي في مقدمتها التالي:
أولاً: أي سوق مالية يتم التحكم فيها أو يمكن تحقق ذلك من قبل مستثمر واحد أو مجموعة من المستثمرين تنزع منها أهم خصائص الأسواق المالية المتمثلة في الكفاءة والعدالة, وهذا ما أعتقد, ولست جازما أنه أحد أسباب انهيار السوق في السنة الماضية.
ثانياً: لا يمكن من ناحية تنظيمية أو أخلاقية ترك السوق على حالها وهناك من يستطيع التأثير فيها عن طريق امتلاكه جزءا بسيطا من أسهم شركة قيادية معظم أسهمها لا تتداول في السوق, ولاسيما أن مئات الآلاف من المتعاملين وظفوا مدخراتهم فيها واضعين في الاعتبار أنها سوق حرة, بينما هي خلاف ذلك.
ثالثاً: الكارثة التي حصلت في السوق وتسببت في خسائر كبيرة للمتعاملين ينبغي أن تضغط وبقوة في اتجاه تنظيم السوق ومنع احتكاره منعا لأي كارثة جديدة قد تعصف باقتصاد المملكة, وربما تطول جوانب أخرى نحن في غنى عنها, ويجب أن يحتاط لها مسؤولو الهيئة بشكل جيد, فآثار الانهيار السابق ظاهرة للعيان.
رابعاً: إجراء من هذا النوع يعد واجبا من واجبات الجهة المشرفة على السوق وحق لها وحدها حسب نظامها الأساسي, وقرار يصب في هذا المنحى ينبغي أن يكون بشكل مفاجئ كما هي قرارات الهيئة السابقة ولا حاجة إلى تدخل أي جهة فيه سواء كان على شكل استشارة أو إحاطة باستثناء مرجع الهيئة وهو خادم الحرمين الشريفين, حفظه الله.
خامساً: وضع السوق هذه الأيام يساعد على إتمام هذا الأمر, وربما يساعد كذلك على إعادة الثقة المفقودة فيها من قبل شريحة كبيرة أصيبت بإحباط لتجربتها السابقة فيها.
كلي أمل أن يبادر رئيس هيئة السوق وزملاؤه في الإسراع بتصحيح هذا الوضع على الأقل بإعلان مثل هذا القرار, أما العمل به فيكون لاحقاً بعد إكمال الترتيبات اللازمة لتفعيله.