عوامل مساعدة لتفعيل مبادرات الهيئة العليا للسياحة
من بين أهم قرارات الحكومة السعودية المرتبطة بتنويع مصادر الدخل القومي، اعتماد السياحة المحلية خيارا اقتصاديا استراتيجيا، ومصدرا يعول عليه لتنويع مصادر الدخل القومي، وبناء على ذلك صدر قرار مجلس الوزراء رقم (9) بتاريخ 12/1/1421، بإنشاء الهيئة العليا للسياحة، لتكون الجهة الحكومية المختصة بالتنمية والترويج لقطاع السياحة في المملكة، ودعمه وتذليل المعوقات التي تعترض طريق نموه وازدهاره، من خلال بناء شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص في المملكة.
نائب خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، أكد في افتتاحية "دليل منهجية ومبادرات الهيئة العليا للسياحة لتنفيذ الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية"، أن الهيئة العليا للسياحة قد أرست الأسس التي بموجبها يتم تحفيز تطوير هذا القطاع وتنميته، كما أنها قد أكملت إعداد المشروع الوطني لتنمية السياحة في المملكة وفق مبدأ التنمية المستدامة والشراكة الفاعلة، وبناء القدرات البشرية الوطنية، ونتيجة لذلك تحققت خلال السنوات القليلة الماضية إنجازات بارزة في تأسيس هذه المنظمة الوليدة، استطاعت من خلالها بناء هذا القطاع الاقتصادي الواعد، حيث تجاوزت الهيئة العليا للسياحة الآن مرحلة التأسيس، ودلفت في أوائل خطوات التنفيذ، التي من بينها إصدار دليل يرصد المنهجية وأبرز المبادرات التي تقوم بها الهيئة في تنفيذ الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية التي أقرها مجلس الوزراء الموقر.
دليل مبادرات الهيئة العليا للسياحة تضمن العديد من المبادرات السياحية التي تستهدف في مجملها في نهاية المطاف الارتقاء بأداء قطاع السياحة في المملكة والتحسين من الأداء، والتي تم تقسيمها على النحو التالي:
(1) المبادرة الحكومية المتمثلة في إنشاء الهيئة العليا للسياحة، (2) البناء المؤسسي الذي يستهدف إنشاء مؤسسة حكومية عصرية تعمل وفقا لمعطيات الإدارة النموذجية، (3) التكامل التخطيطي الذي يستهدف إيجاد مشروع متكامل للتنمية السياحية، (4) التطوير المؤسسي لقطاع السياحة الذي يهدف إلى التنظيم المؤسسي للقطاع الذي يعتبر ركيزة أساسية لإقامة صناعة سياحية ناجحة في السعودية، بالشكل الذي يمكن الدولة والهيئة والتنظيمات السياحية المرتبطة بها من القيام بدورها المأمول في تنمية السياحة الوطنية، ويوفر لها النظم والهياكل والأطر والآليات والموارد اللازمة، (5) التأكيد على التعاون والشراكة الفعالة التي تقضي بتبني آليات الشراكة الفعالة وتوسيع نطاقها بين إمارات المناطق والوزارات والمصالح الحكومية من خلال توقيع اتفاقيات التعاون وتنظيم وتوزيع الأدوار والاختصاصات، (6) العمل على تحفيز بيئة الاستثمار من خلال تشخيص ومعالجة معوقات الاستثمار السياحي وإيجاد الأدوات المحفزة للاستثمار، (7) العمل على تطوير المنتجات السياحية من خلال تبني استراتيجية للتسويق والترويج السياحي، وتطوير الهوية السياحية للمملكة والمناطق كوجهات، وتطوير الأسواق السياحية الواعدة، (8) استحداث المقاييس وضبط الجودة، التي تستهدف وضع معايير لضبط الجودة وقواعد وإرشادات تنمية المشاريع السياحية، (9) التركيز على الاتصال والإعلام من خلال تبني استراتيجية للإعلام السياحي وقاموس للمصطلحات السياحية وقاعدة للصور الفوتوغرافية السياحية، (10) العمل على تطوير المعلومات السياحية من خلال تطوير شبكة المعلومات الإلكترونية كموقع الهيئة وبوابة السياحة في المملكة على شبكة الإنترنت، ووضع معايير لقياس ومراقبة تنفيذ الأهداف العامة لتنمية قطاع السياحة وتطويره، (11) العمل على تأهيل وتدريب وتوفير فرص العمل من خلال تقييم الوضع الراهن للقوى العاملة في قطاع السياحة، وتبني تطبيق المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية، (12) التركيز على تعزيز وترسيخ الثقافة والتراث والآثار من خلال توظيف التراث الثقافي الوطني بجميع عناصره لتنمية سياحية قيمة ومستديمة، (13) مبادرة السياحة والمجتمع التي تستهدف تعزيز دور أفراد المجتمع ومؤسساته في التنمية السياحية سواء أكانوا مستهلكين للخدمات السياحية أم مستضيفين ومقدمين لها، (14) مبادرة التعاون الدولي التي تركز على تمثيل المملكة في الفعاليات والمحافل الدولية ذات الطابع السياحي كالمؤتمرات والندوات والاجتماعية والمجالس المشتركة بين المملكة والدول الأخرى.
دون أدنى شك منذ إنشاء الهيئة العليا للسياحة قبل نحو 6.5 عام، والقائمون على إدارتها، لم يألوا جهداً في إرساء القواعد والتنظيمات الخاصة بتنظيم قطاع السياحة في بلادنا، بما في ذلك إعداد الدراسات والأبحاث والمقارنة بعدد كبير من النماذج السياحية في العالم، ولكن رغم الجهد الكبير الذي بذل في مجال الدراسات والأبحاث وإقرار المبادرات السياحية، إلا أن المستثمرين في القطاع لا يزالون يعانون العديد من المعوقات والمشاكل المرتبطة التي تحدهم من التوسع في توجيه وتوظيف الاستثمارات في القطاع السياحي التي لعل من بين أبرزها وأهمها عدم اكتمال منظومة الخدمات المرتبطة بالقطاع السياحي، مثال شبكات الفنادق والمطاعم وخدمات الطرق، التي تتناسب مع المستوى المادي للسائحين، وتحقق له التنويع المطلوب في الخدمات السياحية، كما أن القطاع السياحي لا يزال يعاني ضعف الدعم المادي والمعنوي، المتمثل في ما تقدمه الحكومة مقارنة بالدعم الذي يقدم مثلا للقطاع الصناعي، الأمر الذي يؤكده على سبيل المثال ارتفاع أسعار الطاقة، التي تمثل في بعض الأحيان ثلث تكاليف التشغيل، كما أن الحكومة لم تتوسع في منح الأراضي لإقامة المشاريع السياحية، أو في ابتكار أساليب للتمويل والتشغيل، أما بالنسبة للسائح المحلي فهو أيضاً الآخر يعاني العديد من المعوقات التي بحجب عن السياحة المحلية التي من بينها، تدني مستوى الخدمات السياحية، وانعدام التنويع في المنتج والنشاط السياحي، وعدم تناسب المنتج السياحي مع التركيبة العمرية للأفراد ورغباتهم، هذا بالإضافة إلى الارتفاع غير المبرر في أسعار الخدمات السياحية، وخصوصا وأن هذا الارتفاع لا يتناسب مع قيمة الإشباع المتوقعة أو المطلوبة.
في رأيي أن الحل للخروج من مأزق السياحة المحلية وتنشيطها، يتطلب أولا وقبل كل شيء تعزيز وترسيخ مفهوم وثقافة السياحة الداخلية في الأذهان، ومن ثم بناء النماذج السياحية التي تخدم ذلك المفهوم، وتلبي في الوقت نفسه احتياجات وتحقق تطلعات وطموحات السائحين. باختصار شديد إن الهيئة العليا للسياحة بحاجة خلال المرحلة القادمة إلى التخفيف من الدراسات وإجراء الأبحاث السياحية، والتركيز على بناء النماذج السياحية الملائمة للسايح المحلي، وتوفير الآليات المساعدة لتفعيل النشاط السياحي في البلاد، كالدعم الحكومي وابتكار- كما أسلفت - وسائل وبدائل متعددة للتمويل والاستثمار في القطاع السياحي، وبالله التوفيق.