الذهب الأخضر في أرض العرب
هناك جدل موصول في المحافل الدولية بين الاقتصاديين والعلماء حول ماهية الطاقة والطاقة البديلة، حيث ينظر الفريق الأول إلى الطاقة كمورد اقتصادي قابل للاستثمار ولمدة مقبلة قد تطول مع الاستكشافات الجديدة وفي المقابل فإن الجدوى الاقتصادية للطاقة البديلة المكلفة تحتاج إلى مراجعة والوقت لم يحن بعد للتحول. بينما يرى الفريق الآخر أن الطاقة المستخدمة حالياً خاصة الأحفورية والكربونية، هي مصدر التلوث الرئيس والسبب المباشر للكوارث البيئية من جراء الاحتباس الحراري وزيادة نسبة الغازات الكربونية المنبعثة وأن الوقت قد حان للتحول إلى الطاقة البديلة النظيفة بيئياً حماية لكوكب الأرض ولتجنب كارثة بشرية محتملة. ولكل من الفريقين – الاقتصاديين والعلماء – وجه نظر مسموعة.
من المعلوم أن الطاقة البديلة متعددة الصور، حيث يمكن إنتاج الطاقة البديلة من الشمس على هيئة طاقة شمسية، أو من مساقط المياه كطاقة هيدرولوكية أو من الرياح كطاقة رياح، وكذلك من أمواج البحر والمد والجزر ومن أعماق المحيطات.. ولكن أكثر الطاقات البديلة إثارة هي بلا ريب تلك الطاقة المستمدة من الكتل البيولوجية للنبات الحي أو ما يسمى الكتل الحيوية Bio-Mass وتُعد هذه "الطاقة الخضراء" بحق من الطاقات النظيفة الأقل تلوثاً للبيئة. وتشمل الكتل الحيوية مجموعة النباتات الزيتية (فول الصويا – جوز الهند – النخيل......) ومجموعة النباتات المنتجة للسكريات (قصب السكر – الشمندر – الذرة......) والمواد السيلولوزية (المحاصيل العشبية والأشجار الخشبية ......) إضافة إلى أي نفايات بلدية تحتوي على مواد تغذية أو زيوت يمكن إعادة تدويرها ولا يمكن أن نغفل كذلك الطحالب كمصدر للطاقة الحيوية.
ويمكن استغلال الكتل الحيوية بجميع صورها لإنتاج وقود بيولوجي – حيوي Bio fuel كبديل للوقود الأحفوري Fossil Fuel الذي ينتج حالياً من مشتقات النفط والغاز الطبيعي. ولقد تم أخيرا وبنجاح إنتاج نوعين من الوقود الحيوي قابل للاستخدام:
النوع الأول: وقود على هيئة كحول إيثانول يتم استخلاصه من النشا النباتي ومن السيلولوز والسكر من محاصيل زراعية مثل قصب السكر والذرة والبطاطس وغيرها، ويعرف بوقود البيوايثانول أو وقود الإيثانول الحيوي Bio-ethanol fuel. ويمكن أن يحل محل البنزين مباشرة في المركبات بعد إجراء تعديل على محركاتها.
النوع الثاني: وقود مصنع من الزيوت النباتية المستخرجة من بذور فول الصويا أو النخيل وغيرها وهو ما يعرف بوقود البيوديزل أو وقود الديزل الحيوي Bio-diesel fuel، وقد يستخدم مباشرة أو يتم خلطة مع الديزل في المحركات التي تعمل بالديزل.
ومن نافلة القول، أن نشير إلى مدى اهتمام العالم في العقود الثلاثة الماضية بإنتاج الوقود الحيوي بصورة تجارية، حيث بلغ إنتاج الوقود الحيوي بنوعيه الإيثانول والديزل عام 2006م (48.4) بليون طن أي ما يعادل (870) ألف برميل مكافئ يومياً أو نحو (2 في المائة) من إجمالي إنتاج الوقود العالمي. ويشكل وقود الإيثانول الحيوي المنتج (43) مليون طن وتقف على رأس قائمة منتجي هذا النوع من الوقود الولايات المتحدة (15.5) مليون طن، والبرازيل (13.3) مليون طن، والباقي موزع على الصين (3.2) مليون طن، والاتحاد الأوروبي (2.5) مليون طن، ودول آسيوية وأمريكية لاتينية أخرى. أما بالنسبة لوقود الديزل الحيوي فقد بلغ الإنتاج (5.4) مليون طن، وتُعد دول الاتحاد الأوروبي هي الرائدة في إنتاج هذا النوع من الوقود، حيث تنتج بمفردها نحو ثلثي الإنتاج العالمي.
وفيما يتعلق بالتوسع المرتقب لاستخدام الوقود الحيوي في العقود القريبة المقبلة فهناك العديد من الدول تخطط لزيادة نسبة خلط الوقود الحيوي في محركاتها ويظهر على الساحة – إضافة إلى الدول الرائدة – دول الاتحاد الأوروبي التي ترى ضرورة رفع نسبة الخلط إلى (6 في المائة) بحلول عام 2010م. كما أن هناك دول آسيوية صاعدة تكثف حالياً من إنتاج الوقود الحيوي كما هو الحال في ماليزيا التي تنتج وقود الديزل الحيوي من زيت النخيل وإندونيسيا التي تستغل المواد الخشبية في المستنقعات لإنتاج الوقود .. ودول أخرى في أمريكا اللاتينية التي تسعى إلى استغلال جميع الكتل الحيوية المتاحة لديها – خاصة الذرة – لإنتاج الوقود الحيوي. والأمر هنا يحتاج إلى أكثر من وقفه؟!
* لمن تزرع المحاصيل لمصلحة الطاقة أم للغذاء؟
* ما الأولويات المطلوبة، استخدام الطاقة لإنتاج الغذاء لنحو سبعة مليارات من البشر، أم استخدام الغذاء لإنتاج الطاقة لتسيير (800) مليون مركبة؟
* كيف يمكن تقنين استخدام الطاقة الحيوية في ظل الزيادة السكانية وزيادة الطلب على الطاقة؟!
وفي كل الحالات فهي قضية مطروحة للبحث ولم تحسم بعد!!
والسؤال الآن ماذا عن موقف الدول العربية من هذه القضية؟
تشير بعض التقارير الواردة أن هناك ثلاث مبادرات أو بمعنى آخر بدايات تدعو للتفاؤل من دول عربية مصدرة للنفط والغاز الطبيعي لاستغلال هذه الطاقة الخضراء كطاقة بديلة. المبادرة الأولى من الإمارات التي دشنت مشروع "المدينة الخضراء" التابعة لمؤسسة أبوظبي للطاقة المستقبلية بهدف تنمية الطاقات الجديدة والمتجددة وإجراء الدراسات المتعلقة بها. أما المبادرة الثانية فكانت من عمان، حيث تم إقامة مصنع لتحويل مستخلصات من نخيل التمور إلى وقود إثيانول حيوي ومن المتوقع بدء الإنتاج مع أوائل عام 2008م، وبطاقة (900) ألف لتر يومياً (نحو 0.5 مليون طن سنوياً). وتسعى عمان لأن يكون لهذا المصنع الريادة في العالم العربي عام 2010م. أما المبادرة الثالثة فهي من أقصى الشمال الإفريقي – من الجزائر – حيث تم عام 2006م إنشاء شركة نخيل الجزائر للبيوتكنولوجي في العاصمة الجزائر لإنتاج وقود إيثانول حيوي من التمور غير المستهلك، والتي تبقى لدى التجار دون بيع .. وتجدر الإشارة أن صحاري الدول العربية تذخر بالكتل الحيوية غير المستغلة خاصة التمور التي يزيد عددها عن (120) مليون نخلة – موزعة في صحاري الجزيرة العربية (30) مليون نخلة وبادية الشام وأرض الرافدين (40) مليون نخلة والشمال الإفريقي (50) مليون نخلة. ناهيك عن وجود مخزون لا ينضب من ما يسمى بالنفايات البلدية والمخلفات الزراعية، وخبث المسطحات المائية التي لا تستغل نهائياً ويمكن تحويلها إلى وقود حيوي.
والخلاصة، إذا كانت هناك في أرض العرب ندرة في الذهب الأزرق (المياه) وتخوف من نضوب الذهب الأسود (النفط) فإن الباب ما زال مفتوحاً للعالم العربي خلال القرن الحالي للدخول إلى عالم الكتل الحيوية واستثمار موارده الحية (الذهب الأخضر) لخير شعوبها.