الطريق إلى إنشاء منظمة الدول المصدرة للغاز (3)
على الرغم من أن فكرة إنشاء منظمة للدول المصدرة للغاز هي في الأصل فكرة روسية وسبق أن دعا صراحة إلى تنفيذها رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الروسي، إلا أن مسؤولين روس نفوا مرارا أن تكون لديهم أي خطط لإنشاء تجمع لمنتجي الغاز قائلين إنه أمر غير مرغوب فيه وغير عملي، وكانت آخر التصريحات الروسية في هذا الشأن التصريح الذي أدلى به يوم الأربعاء 31/1/2007، سيرجي باسترزيمبسكي، مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون الاتحاد الأوروبي، والذي قال فيه إن جميع التكهنات بخصوص احتمال انضمام روسيا إلى اتحاد دولي للغاز الطبيعي هي من اختلاف صحافيين غربيين. وأضاف قائلا: (إنها إحدى الألعاب المفضلة لدى الإعلام الغربي أن يبحث عن الشر في روسيا.. أي حديث عن مثل هذه التحالفات هو جزء من هذه اللعبة). وسبق أن أصدرت شركة (غاز بروم) الروسية تصريحا قالت فيه إن عقودها طويلة الأجل تجعل فكرة إنشاء منظمة دولية للغاز غير عملية، لكن هذه التطمينات الروسية لم تؤد إلى إزالة القلق الأوروبي ونسوق على ذلك دليلا بالتصريح الذي أدلى به اندريس بيبالجس، مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي يوم 25/1/2007 قائلا: إن روسيا ربما تسعى إلى تكوين تكتل للغاز الطبيعي مع الجزائر، وأبدى خشيته من أن يشكل التعاون بين روسيا والجزائر بشأن إنتاج وتوزيع الغاز، نوعا من التكتل, والواقع أن الخشية الأوروبية لها ما يبررها لأن أوروبا أدركت منذ أزمة الغاز بين روسيا وأوكرانيا في آخر عام 2005 وبداية عام 2006 أنه, وإن كانت روسيا تعتمد على أوروبا كمستهلك رئيسي للغاز، وتعتمد أوروبا على روسيا كمورد رئيسي للغاز إلا أن اعتماد أوروبا أكبر من اعتماد روسيا عليها وتزداد هذه الحقيقة تأكيدا على أن الغاز كما يقول بعض الخبراء يعطي مالكيه قدرا من القوة أكبر نسبيا من القوة التي يوفرها النفط لمالكيه لأن النفط سلعة متعددة المصادر، ويكون تعويض العجز في إمداداتها عن طريق الشراء من أسواق العالم. أما الغاز فإن نقله باهظ التكاليف لأنه يعتمد على خطوط أنابيب مكلفة أو مرافق تسييل يصعب استبدالها بسرعة إذا ما توقفت إمدادات الغاز. ولعل مما يرسخ هذه الحقيقة أن وزير الصناعة والطاقة الروسي فيكتور خربستينكو أعلن يوم 10/10/2006 أن طاقات تصدير الغاز الروسي ستزداد حتى عام 2015 بنسبة 52 في المائة، وستصل إلى 257 مليار متر مكعب وأن استخراج الغاز في روسيا سيرتفع من 641 مليار متر مكعب في عام 2005 إلى 742 ـ 754 مليارا في عام 2015. كما أن حجم صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا سيزداد من 154 مليار متر مكعب في عام 2005 إلى 173 مليارا في عام 2015. إن هذه الحقيقة جعلت وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير يعرب عن قلق بلاده من الاعتماد الأوروبي على مصادر الطاقة من روسيا ويشدد على ضرورة خفض التبعية لها، ولكن يبدو أن الخيارات أمام الاتحاد الأوروبي مازالت محدودة ولذلك فقد طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الرئيس الروسي بوتين بانتهاج سياسة أمنية وصادقة مع الاتحاد الأوروبي من خلال واردات الاتحاد للنفط والغاز الطبيعي من روسيا وعدم اتخاذ سياسة المساومة مع الأوروبيين إذا ما وقع خلاف بين روسيا والدول التي تقع بين روسيا والاتحاد الأوروبي مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء عندما عمدت موسكو إلى إغلاق منشأة منطقة دروشبا النفطية في كانون الثاني (يناير) 2001 جراء خلاف بين روسيا وروسيا البيضاء حول أسعار مرور النفط الروسي بين البلدين إلى أوروبا.
وفي سياق الحرب الإعلامية والسياسية الدائرة بين إيران والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة حول برنامج إيران النووي، وجدت إيران في موضوع إنشاء منظمة دولية للغاز ورقة مناسبة تلوح بها كسلاح سياسي، حيث صرح الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي يوم الإثنين 30/1/2007 أن إيران وروسيا يمكن أن تطلقا منظمة لتصدير الغاز على نمط "أوبك" لأن نصف احتياطات الغاز العالمية موجودة في روسيا وإيران. وجاءت تصريحات خامنئي بعد اجتماعه في طهران مع إيجور إيفانوف أمين مجلس الأمن القومي الروسي. والواقع أن إيران وإن كانت تملك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم إلا أن تقارير إعلامية تفيد بأنها تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل حتى يمكن أن تصبح مصدرا رئيسيا للغاز. وقال محللون إن العقوبات والمشاحنات السياسية مع الغرب وتصاعد الاستهلاك المحلي ومطالب صناعة النفط عرقلت جميعها خطط إيران للانضمام إلى الطفرة العالمية في صادرات الغاز الطبيعي المسال وستظل كذلك لسنوات.
وفي يوم الخميس 1/2/2007 تناقلت وسائل الإعلام تصريحات للرئيس الروسي بوتين قال فيها إن (فكرة إقامة تجمع للدول المنتجة للغاز مثيرة للاهتمام) لكنه أضاف أنه (لا يريد منظمة على غرار منظمة أوبك). وقال بوتين أيضا (إننا في المقام الأول نتفق مع المتخصصين الإيرانيين والشركاء في بعض الدول الأخرى التي هي من كبار منتجي الغاز، ونحن نحاول تنسيق جهودنا في أسواق ثالثة ولا ننوي إقامة تكتل لكننا سنواصل تنسيق أنشطتنا وفي ذهننا الهدف الرئيسي المتمثل في خدمة أمن الطاقة لزبائننا).
وردت الوكالة الدولية للطاقة، والتي تمثل تكتل الدول الصناعية الرئيسية المستوردة للنفط والغاز، على تصريحات الرئيس الروسي بوتين، حيث قالت كما جاء في الخبر المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ الثالث من شباط (فبراير) 2007 (إن إنشاء منظمة للدول المصدرة للغاز على غرار منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" سيكون غير مجد للدول المنتجة)، وأضافت أن قيام هذه المنظمة سيترجم إلى انخفاض الاستهلاك والتعويض عن الغاز بطاقات أخرى، ورأت الوكالة (إن إقامة منظمة هو دائما نبأ سيئ للدول المستهلكة والمنتجة وإن الاتحادات غير مجدية للدول المنتجة) وتابعت الوكالة (إن رفع الأسعار إلى الأعلى من خلال التكتل سيشجع المستهلكين على خفض الطلب أو استبداله بأشكال أخرى من المحروقات مثل الفحم الحجري أو الطاقة النووية). وأضافت أن (الاتحادات تحرف السلوك دون أن تعزز أمن الإمدادات) مؤكدة أن نظام السوق أكثر نجاعة.