الهدفان القادمان: إقصاء حماس أو إفقادها الأغلبية

[email protected]

تتلاحق التطورات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية فيما يخص الأزمة المحتدمة بين حركتي فتح وحماس وصولاً إلى فشل انعقاد المجلس التشريعي الفلسطيني في دورته الجديدة لانتخاب رئيسه وهيئة مكتب رئاسته بسبب القرارات والمناورات المتعارضة التي تبنتها قيادة كل من الحركتين. ومن الواضح أن هذه التطورات تسير في طريق قيام رئيس السلطة محمود عباس بحل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات جديدة، وذلك بغرض واضح لا يخفى على أحد وهو تحقيق أحد هدفين: الحد الأدنى وهو إفقاد حركة حماس أغلبيتها الحالية فيه التي حصلت عليها في انتخابات كانون الثاني (يناير) 2006، أو الحد الأقصى وهو إقصاؤها بصورة شبه تامة عن عضوية هذا المجلس ليخلو لأعضاء حركة فتح والحركات الفلسطينية الأخرى غير حماس.
وتوضح مؤشرات عديدة أن سعي الرئيس عباس والمجموعة التي يقودها بداخل حركة فتح لتحقيق الهدف الأول يسير في اتجاهين متكاملين. الاتجاه الأول، يعتمد على الدعم الخارجي الذي يمكن أن يقدمه خصوم حركة حماس الإقليميين والدوليين للرئيس الفلسطيني ولحكومة الطوارئ برئاسة الدكتور سلام فياض، الذي تمثل المساعدات الاقتصادية والمالية فيه الورقة الرئيسية التي يعول عليها الرئيس الفلسطيني في كسب مزيد من التأييد لحركته بين أوساط الشعب الفلسطيني الذي أنهكته المعاناة بما يؤدي إلى تراجع تأييده لحركة حماس ومرشحيها في الانتخابات المقبلة. وإذا كان الاعتماد الاقتصادي في هذا الاتجاه الأول سيكون بصفة رئيسية على معونات الولايات المتحدة والدول الغربية وتسليم إسرائيل الأموال المستحقة عليها للسلطة الفلسطينية للرئيس عباس، فإن الاعتماد السياسي سيكون على الحكومة الإسرائيلية التي يطمح الرئيس الفلسطيني إلى أن تقدم له من حقوق الشعب الفلسطيني ما هو كاف لإقناعه بفشل سياسة حماس ومن ثم انصرافه عن التصويت لمرشحيها في الانتخابات التشريعية المقبلة. أما الاتجاه الثاني لتحقيق هدف إفقاد حركة حماس أغلبيتها البرلمانية، فهو يعتمد على السعي المحتمل للرئيس الفلسطيني لتغيير النظام الانتخابي ليقوم على القائمة النسبية، وهو ما سيؤدي عند تطبيقه إلى تراجع ممثلي حماس في المجلس التشريعي.
أما الهدف الثاني، أو الحد الأقصى بإقصاء حماس الكامل عن الانتخابات والمجلس التشريعي، فإن تحقيقه يستلزم تبني سياسة غير مسبوقة، ويعتمد على مناورة أوسع يجب على الرئيس عباس ومؤيديه القيام بها من أجل تحقيقه. وتوضح بعض المعلومات المتسربة أن جوهر هذه السياسة هو محاولة إقناع الفصائل والحركات العضوة في منظمة التحرير الفلسطينية بأن تتخذ المنظمة عبر مختلف مستوياتها التنظيمية قراراً بعدم مشاركة أي حركة أو فصيل في الانتخابات الفلسطينية العامة، إلا إذا كان عضواً في المنظمة باعتبارها المرجعية الوحيدة للشعب الفلسطيني التي تعلو على السلطة نفسها بكل مؤسساتها. وكما هو واضح، فهذا القرار يهدف بصورة مباشرة إلى الإقصاء الكامل لحركة حماس وكل المنظمات والحركات الأخرى غير المشتركة في المنظمة من خوض الانتخابات العامة وفي مقدمتها التشريعية المقبلة. إلا أن هذا النوع من القرارات سيواجه صعوبات حقيقية بداخل منظمة التحرير أولاً من عدد من الفصائل التي ستخشى من عواقبه على مزيد من تدهور الأوضاع الفلسطينية الداخلية وصولاً إلى طريق اللا عودة، وثانياً من الفصائل الأخرى غير المشاركة في المنظمة، وفي مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي بما قد يدفع بها إلى التحالف السياسي والميداني مع حركة حماس.
والأكثر رجحاناً أن المراوحة بين هذين الهدفين، الأدنى والأقصى، لا تزال قائمة بداخل صفوف حركة فتح وبين المؤيدين للرئيس محمود عباس بدون حسم نهائي حتى اليوم لتبني أي منهما. وهذه المراوحة هي التي تفسر ذلك السيل من التصريحات والتحركات التي يقوم بها مختلف قيادات السلطة الفلسطينية وحركة فتح مع جهات وأطراف عديدة فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية ودولية بهدف حشد أكبر إمكانيات لتحقيق واحد من الهدفين المطروحين على الأقل. إلا أن المشكلة الجوهرية لهذه المساعي أنها لا تستند إلى أرضية واقعية وتتجاهل حقيقة الأوضاع في الساحة الفلسطينية. فحركة حماس خلال المرحلتين المتعاقبتين من تاريخها، قبل إعلانها بهذا الاسم في كانون الأول (ديسمبر) 1987 وقبلها منذ الأربعينيات كفرع فلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، استطاعت أن تحفر لنفسها جذوراً راسخة في الواقع الفلسطيني وبخاصة في قطاع غزة، سواء بالعمل السياسي والمقاوم في المرحلة الثانية أو بالعمل الاجتماعي والخيري والتعليمي والديني خلال المرحلتين وبخاصة المرحلة الأولى. وقد تأكد عمق هذه الجذور وصلابتها في الواقع الفلسطيني بالنتائج المفاجئة التي حققها مرشحو الحركة في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة، وهو الأمر الذي يضيف صعوبات هائلة أمام أية محاولات لتهميشها أو إقصائها عن الواقع السياسي الفلسطيني. فضلاً عن ذلك، فإن السعي لتحقيق أي من الهدفين المطروحين من الرئيس عباس وأنصاره بخصوص حماس سوف يؤدي، على الأرجح، إلى حدوث تحولات جوهرية في التحالفات السياسية القائمة حالياً في الواقع الفلسطيني بما يؤدي إلى إرباكها وإرباك الوضع الفلسطيني برمته بما قد يؤدي إلى حالة واسعة من الصدام المسلح قد تتطور إلى سيناريو الحرب الأهلية الأسوأ والانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي