أبرز ملامح استراتيجية المدن الاقتصادية السعودية

[email protected]

تشرفت بإدارة حوار اقتصادي بعنوان "المدن الاقتصادية .. آفاق التنمية المستقبلية"، عقد في محافظة جدة في تاريخ الخامس من حزيران (يونيو) 2007، نظمه برنامج "أكسس" الاقتصادي برعاية مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية وبنك الجزيرة، شارك فيه بورقة عمل فهد بن عبد المحسن الرشيد وكيل محافظ الهيئة العامة للاستثمار لشؤون المدن الاقتصادية، بعنوان "استراتيجية تنفيذ المدن الاقتصادية وأبعادها الاستثمارية"، التي أوضح من خلالها المحاور الأساسية الستة، التي تم بموجبها التخطيط لبناء وتشغيل المدن الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى ما سوف تضيفه تلك المدن، وستسهم به من نمو ورخاء اقتصادي للمملكة.
المحاور الأساسية الستة، التي بنيت عليها فلسفة بناء المدن الاقتصادية في المملكة، وفقما أوضحته ورقة العمل المذكورة، (1) تأسيس صناعات جديدة مبنية على الميزات التنافسية للمملكة العربية السعودية، (2) تأسيس المدن الاقتصادية كمدن متكاملة تتوافر فيها مقومات الحياة العصرية، (3) توفير بنية تحتية حديثة بمقاييس عالمية لزيادة تنافسية اقتصاد المملكة، (4) التنفيذ بشكل كامل من قبل القطاع الخاص، (5) خلق بيئة جاذبة ومحفزة للاستثمار، (6) تبني وتنفيذ استراتيجية واضحة للموارد البشرية.
المحور الأول أكد على أن المملكة تتمتع وتمتلك ميزات تنافسية عديدة لقيام أربعة صناعات اقتصادية جديدة مهمة على المستوى الاقتصادي والاستثماري، وعلى مستوى الناتج المحلي، وهي: (1) صناعة الألومنيوم الذي تمثل نسبة إنتاجه نحو 12 في المائة من حجم الناتج العالمي، (2) صناعة الحديد والصلب، الذي تمثل نسبة إنتاجه نحو 6 في المائة من حجم الناتج العالمي، (3) صناعة الأسمدة، الذي تمثل نسبة إنتاجه من الإنتاج العالمي نحو 16 في المائة، (4) وأخيراً صناعة الكيماويات، بشقيها التقليدي وغير التقليدي، اللذين تمثل نسبة إنتاجهما من الإنتاج العالمي نحو 4 في المائة، كما أكد المحور على أن هذه الصناعات مجتمعة، يتوقع لها أن تضيف للناتج المحلي الإجمالي نحو 34 مليار دولار، وأن تستقطب حجم استثمارات تقدر بنحو 85 مليار دولار، وأن تخلق وظائف جديدة في الاقتصاد السعودي نحو 109 آلاف وظيفة.
المحور الثاني افترض أن تحقق المدن الاقتصادية تعداد سكان وخلق وظائف جديدة في الاقتصاد بشكل مستمر وتلقائي، حيث سيصل عدد الوظائف الجديدة إلى نحو 700 ألف وظيفة بعد مضي 15عاما من بناء المدن الاقتصادية المختلفة، الأمر الذي سيتحقق عنه استقرار ونمو متوازن في عدد السكان والوظائف في القطاعات والأنشطة الاقتصادية التنافسية المختلفة، بما في ذلك القطاعات المساندة والقطاعات الإنتاجية الأخرى.
المحور الثالث أكد على أن قيام مدن اقتصادية عملاقة، بمستوى المدن الاقتصادية المستهدف بناؤها في السعودية، يرتبط بتوفير بنية تحتية حديثة بمعايير ومواصفات عالمية، وكذلك توفير سلسلة متكاملة من خدمات التكنولوجيا والاتصالات والنقل والمرافق والخدمات العامة المتكاملة، التي ستساعد في مجملها وتعمل على تشغيل تلك المدن بمستوى كفاءة تشغيل مرتفعة للغاية، تسهم في تحقيق العوائد الاقتصادية المرجوة من بناء تلك المدن الاقتصادية.
المحور الرابع أكد على أن نجاح بناء وتشغيل المدن الاقتصادية في المملكة، بالأسلوب الاقتصادي المنشود، يتطلب إتاحة الفرصة وفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار وتنفيذ المشاريع، بالذات المرتبطة بالبنية التحتية الأساسية لتلك المدن، التي تراوح قيمتها ما بين 13 و60 مليار ريال.
المحور الخامس أكد على أن نجاح بناء وتشغيل المدن الاقتصادية، يرتبط بالقدرة على خلق بيئة جاذبة ومحفزة على الاستثمار، وهو الأمر الذي تتمتع به المدن الاقتصادية السعودية، لامتلاكها العديد من المقومات الاستثمارية والميزات التنافسية المحفزة على الاستثمار، وفق معايير ومواصفات عالمية رفيعة المستوى.
المحور السادس والأخير أكد على أن نجاح تشغيل المدن الاقتصادية يرتبط بتنفيذ استراتيجية واضحة للموارد البشرية، تستند إلى التجارب العالمية في مجال بناء وتشغيل المناطق الاقتصادية. هذا وتجدر الإشارة إلى أن المدن الاقتصادية سوف توفر ما يقرب من 845 ألف فرصة عمل جديدة (وظائف مرتفعة ومتوسطة ومنخفضة المهارات).
دون أدنى شك، إن اعتماد الحكومة السعودية بناء عدد من المدن الاقتصادية في مناطق المملكة المختلفة، قرار وخيار اقتصادي استراتيجي في غاية الأهمية، لكونه وكما سبق ذكره، سيعمل على التعزيز من قدرات المملكة العربية السعودية التنافسية في مجال الاستثمار، وستتحقق عنه عوائد ومنافع اقتصادية عديدة، ولكن وعلى الرغم من ذلك هناك العديد من التساؤلات التي تلوح في الأفق بالذات المرتبطة بالحاجة الملحة لاعتماد بناء عدد كبير من المدن الاقتصادية في وقت واحد، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: هل لدينا القدرة الفعلية على التنفيذ؟ وهل لدينا القدرة على إعداد وتجهيز الكوادر البشرية والعمالة الفنية الوطنية الماهرة اللازمة لتشغيل تلك المدن؟ وهل سنتمكن من نشر فلسفة وفكر المدن الاقتصادية بين مؤسسات القطاع العام، باعتبارها الوجه الاقتصادي الحضاري الجديد للاقتصاد السعودي وتوجهاته؟ وهل سيتم توفير مصادر التمويل اللازمة والكافية لبناء وتشييد وتشغيل تلك المدن الاقتصادية العملاقة؟ وهل أن الاستراتيجية الموضوعة لبناء المدن محترفة للحد الذي يمنع الازدواجية في بناء المشاريع، وهل كان هناك تنسيق كاف وواف عندما وضعت الاستراتيجية الخاصة ببناء تلك المدن مع الهيئة الملكية للجبيل وينبع، بهدف الاستفادة من الخبرة الطويلة المتراكمة في مجال إدارة وتشغيل المدن الصناعية في المملكة، وبهدف أيضاً تفادي إعادة اختراع العجلة من جديد؟ وهل سيلعب القطاع الخاص السعودي دورا تنمويا فاعلا وحقيقي مؤثراً في بناء تلك المدن، وبالذات في ظل العديد من المعوقات التي يواجهها في الوقت الحاضر؟
بمعنى آخر أدق وأوضح وبصرف النظر عن الأهمية الاقتصادية لبناء المدن الاقتصادية، هل من المفترض أن يحتل قرار بناء المدن الاقتصادية بهذا العدد الضخم دفعة واحدة، أولويات أهدافنا وأجندتنا الاقتصادية الاستراتيجية؟ أو أنه هل من الأولى والأجدر توجيه الجهود والموارد الاقتصادية، المرتبطة ببناء تلك المدن، للتحسين من القدرات التنافسية لقطاعات اقتصادية عاملة وفعالة ومتاحة بالاقتصاد السعودي؟
من هذا المنطلق برأيي الاقتصادي المتواضع، وتفادياً لحدوث إخفاقات مستقبلية لا قدر الله في بناء أو تشغيل تلك المدن، بما في ذلك حدوث اختناقات اقتصادية، كان من الأفضل والمفترض اعتماد بناء مدينة إلى مدينتين بحد أقصى، وإتاحة الفرصة لاختبار وتحليل النتائج ومن ثم تعميم التجربة على بقية مناطق المملكة في حالة نجاحها، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي