نحو 80 دولارا للبرميل
في الوقت الذي كتب فيه هذا المقال في نهاية الأسبوع الماضي، كانت أسعار النفط في الأسواق الأمريكية تغازل حد 70 دولارا للبرميل. الأسئلة التي يطرحها عليّ الناس باستمرار، رغم اختلاف أعراقهم وأديانهم وجنسياتهم، يتعلق أغلبها بمستقبل أسعار النفط: هل ستستمر أسعار النفط في الارتفاع؟ إلى متى ستبقى أسعار النفط مرتفعة؟ هل يمكن لأسعار النفط أن تنخفض؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج إلى تفصيل كثير لا يمكن ذكره حتى في عدة مقالات، ولكن يمكن إيجاز الإجابة في مجموعة من النقاط الأساسية، وهي:
1 ـ خلال الأشهر المقبلة: أسعار النفط ستستمر في الارتفاع في هذا الصيف باتجاه 80 دولارا للبرميل لأسباب عديدة ستذكر أدناه، لكنها قد تنخفض قليلاً مع نهاية الصيف.
2 ـ خلال السنوات الخمس المقبلة: أسعار النفط ستظل في مستوياتها المرتفعة إلا إذا هيمن الكساد على الاقتصاد الأمريكي. بشكل عام فإن احتمال انخفاض أسعار النفط في عام 2009 كبير لدرجة تقلق الدول المصدرة.
3 ـ تؤدي العوامل السياسية والطبيعية التي لا تؤثر في الطاقة الإنتاجية أو الاستثمار فيها إلى تذبذب أسعار النفط ولكن لا تؤدي إلى رفعها. بمعنى آخر، ترفع هذه العوامل أسعار النفط على المدى القصير، ولكن انتهاء دور هذه العوامل يعيد الأسعار إلى مستواها السابق.
4 ـ العوامل السياسية والطبيعية التي تؤثر في الطاقة الإنتاجية أو الاستثمار فيها ترفع أسعار النفط لفترة طويلة من الزمن. انتهاء وجود هذه العوامل لا يعيد أسعار النفط إلى ما كانت عليه حتى يتم التعويض عن الطاقة الإنتاجية التي تمت خسارتها بسبب هذه العوامل، وهذا يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن.
5 ـ بشكل عام، فإن أثر ما هو متوقع أقل بكثير مما ليس متوقعاً. مثلاً، أثر انخفاض صادرات العراق بمقدار 100 ألف برميل يومياً أقل بكثير من تخفيض مفاجئ بالكمية نفسها في صادرات الإمارات العربية المتحدة أو الكويت أو غيرها.
مسوغات توقع ارتفاع أسعار النفط
هناك العديد من العوامل التي سترفع أسعار النفط خلال أشهر الصيف، رغم ارتفاع مستوى الطاقة الإنتاجية في العديد من الدول النفطية. أغلب الارتفاع سيكون مرتبطاً بالعوامل المفاجئة أكثر من ارتباطه بالعوامل المتوقعة. العوامل المفاجئة تتمثل فيما يلي:
1 ـ انخفاض إنتاج أغلب دول أوبك وانخفاض صادراتها بسبب زيادة الاستهلاك المحلي للنفط والغاز خلال أشهر الصيف. تعود زيادة استهلاك النفط والغاز في الفترات الأخيرة إلى ثلاثة أسباب هي استمرار معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، وزيادة عدد العمال الوافدين، خاصة في الإمارات وقطر، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير عادي. إنتاج النفط سينخفض في الدول التي قامت بتحويل كميات إضافية من الغاز من عمليات حقن الحقول اللازمة بالغاز للحفاظ على ضغط المكامن النفطية إلى محطات توليد الكهرباء، خاصة الإمارات.
2 ـ انخفاض إنتاج نيجيريا بشكل أكبر بكثير مما كان متوقعاً نتيجة العمليات النوعية للميليشيات في منطقة الدلتا في نيجيريا التي استهدفت عمليات شركات النفط الأجنبية.
3 ـ انخفاض إنتاج فنزويلا بسبب انسحاب شركات النفط العالمية المفاجئ من فنزويلا والانخفاض الذي سيصاحب عمليات إحلال شركة النفط الفنزويلية محل هذه الشركات.
4 ـ زيادة عمليات العنف في اليمن وارتفاع معدلات استهداف المنشآت النفطية.
وهناك عوامل متوقعة تسهم في تخفيض الإنتاج، منها:
1 ـ انخفاض إنتاج النفط الأمريكي نتيجة الأعاصير في خليج المكسيك. في أحسن الأحوال ستؤدي الأعاصير في خليج المكسيك إلى وقف الإنتاج في عدد من المنصات البحرية لعدة أيام، الأمر الذي سيؤثر في إمدادات النفط على المدى القصير.
2 ـ انخفاض الإنتاج العراقي نتيجة استهداف الأنابيب والمنشآت النفطية، أو نتيجة عوامل فنية.
3 ـ انخفاض إنتاج كل من إيران، عمان، سورية، والمكسيك لأسباب فنية.
وهنالك عوامل سياسة متوقعة قد ترفع أسعار النفط بدون تخفيض الإمدادات منها:
1 ـ ازدياد تأزم العلاقات الإيرانية - الغربية بسبب برنامج إيران النووي.
2 ـ تأزم العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا بسبب طرد الشركات الأمريكية العاملة في فنزويلا.
3 ـ تأزم الوضع في الشرق الأوسط نتيجة الأوضاع في كل من لبنان وفلسطين.
في ظل ما سبق، قد يقول البعض إن الأسعار يجب أن تتجاوز 100 دولار للبرميل، ولكن مهلاً، هناك عوامل أخرى تمنع وصول أسعار النفط إلى هذا المستوى منها:
1 ـ ارتفاع الطاقة الإنتاجية بشكل ملحوظ في عدد من دول العالم، بما في ذلك بعض دول الخليج، الجزائر، ليبيا، أنجولا، أستراليا، وروسيا.
2 ـ رغم توقع كل من وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" ووزارة الطاقة الأمريكية ارتفاع الطلب على النفط في العام الحالي، إلا أن هناك أدلة كثيرة تشير إلى انخفاض معدلات نمو الطلب على النفط إلى أقل مستوى لها منذ ثلاثة عقود تقريباً. كما تشير بيانات الصين إلى انخفاض نمو الطلب على النفط مقارنة بمعدلات النمو الاقتصادي.
3 ـ أثبتت البيانات أن المستهلكين في الغرب لا يتأثرون بارتفاع أسعار المشتقات النفطية إذا كان الارتفاع تدريجياً، ولكن يخفضون استهلاكهم بسرعة شديدة إذا كان الارتفاع كبيراً ومفاجئاً، لذلك فإن ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ وكبير سيؤدي إلى ردة فعل كبيرة تجبر الأسعار على الانخفاض.
خلاصة الأمر أن حصيلة العوامل السابقة، إضافة إلى عوامل كثيرة لم تذكر، هي ارتفاع الأسعار خلال أشهر الصيف إلى نحو 80 دولارا للبرميل. وستتم مناقشة مستقبل أسعار النفط خلال السنوات المقبلة في المقال المقبل، بإذن الله.