الفقراء أولى من القتلة

[email protected]

ظاهرة ليست جديدة ولكنها بدأت تأخذ منحى خطيرا مبالغا فيه، وأصبحت جزءا من الاستثمارات الجديدة التي ينظر إليها البعض كفرصة يجب استغلالها واستثمارها وبيعها ضمن ما يجري بيعه اليوم, خصوصاً أننا, للأسف الشديد, بدأنا في بيع كل شيء، الأمانة، المسؤولية، وصلة الرحم ... إلخ.
لقد وقعت حوادث خلال الفترة الماضية أوجبت الكتابة والحديث عن هذه الظاهرة, ومن تلك الحوادث وصول رسالة جوال تقول إن أخاك فلان قتل شخصا "طبعاً مع سبق الإصرار والترصد" وسعى أهل الخير إلى إقناع أهل المقتول, أو كما يسمون أهل الدم للتنازل عن قاتل ولدهم ووافقوا ـ جزاهم الله خيرا ـ على ذلك مقابل عشرة ملايين ريال فقط, ولهذا فإننا نهيب بأهل الخير والمحسنين بالتبرع من أموالهم وزكواتهم وصدقاتهم لإنقاذ رقبة مسلمة ورقم الحساب هو ..........في ........... .
كما أن أخبار الصحافة لا تخلو من تلك الأخبار بمبالغ أعلى أو أقل من مبلغ العشرة ملايين ريال.
هذه الظاهرة الخطيرة في جزءيها, الأول هو السعي إلى مساعدة قاتل مع سبق الإصرار والترصد, وثانيها المبالغة في طلب الأموال وكأن القتلى لا قيمة إنسانية لهم ولا حقوق يجب الأخذ بها، متناسين قول الله تعالى"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".
لقد فكرت وتأملت هذه الآية الكريمة وعظمة المعنى والهدف والرسالة، كيف تكون لنا حياة في موت أو قتل الآخر؟ والحقيقة أن المساحة المعطاة للمقال لن تفي حق شرح الآية ولكن يكفي معنى وهدف واحد وهو تحريم قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وأن القاتل قبل أن يشرع في القتل يجب أن يعرف أن مصيره القتل وليس مصيره تجمع الأهل والأقارب لجمع الملايين الطائلة لإنقاذه ودفع دية لا يستحقها على سوء عمله.
هذه الملايين من الريالات التي تدفع لإنقاذ رقبة قاتل مع سبق الإصرار والترصد كيف يمكن توجيهها لإنقاذ عشرات أو مئات الأسر الفقيرة التي تحتاج إلى كل هللة من تلك الملايين للانتقال من حياة الفقر والعوز والتشرد والرذيلة, لا سمح الله, إلى حياة الاستقرار والمستقبل الأفضل. فكروا معي, عشرة ملايين ريال كم تعلم من أبناء الفقراء؟ كم تعالج منهم؟ كم تضيف إلى المجتمع من شباب من الجنسين صالحين يغير الله بهم حياة أسرهم إلى حياة العطاء والعمل الصالح؟
إن اندفاع البعض, وللأسف الشديد, وتعاطفهم مع مثل هؤلاء القتلة, خصوصاً أولئك الذي تقوم أعمالهم وأفعالهم على التعدي على أعراض وممتلكات الآمنين وهتكها وسرقتها ثم قتلهم وبعد ذلك نجد من يحاول الضغط علينا باسم الدين والأخوة والشهامة لمساعدتهم والتبرع لهم لإنقاذهم، وقد يكون الأمر مقبولا إلى حد ما عندما يقتل شخص آخر في ساعة غضب أو ما يشابه ذلك ثم يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ويتم التنازل عنه من أهل المقتول أو أصحاب الدم ويرى أن يقدم لهم شيئا بسيطا من المال للتصدق به على نية المقتول, وربما هذا الأمر مقبول, وإن كنت أيضا أجد بعض التحفظ على ذلك، أما أن تصبح تجارة رائجة تشد لها الرحال وتقام الصواوين والخيام ويجتمع لها الآلاف من البشر للسعي إلى جمع المال، فهذا ما لا يجب دعمه أو المساعدة عليه.
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى التشدد في القضاء على مصادر الشر والفتن وعدم التهاون في تطبيق الأحكام الزاجرة الرادعة لكل مفسد مهما كان وأين كان. دعونا نجعل الشخص المقدم على عمل مثل هذه الأعمال الإجرامية الشنيعة يعلم علم اليقين أن مصيره إلى القتل وأن الرحمة والشفقة لا تجوزان له وأننا جميعاً يد واحدة ضد الفساد بمختلف أنواعه ووسائله وطرقه.

وقفة تأمل:

رحم الله الأديب علي بن أحمد آل عمر عسيري، لقد ترك في كل لقاء وقول وعمل وعطاء وجهد بصمة إيجابية تترك بعد تركه لنا أثرا لا يمكن أن ينسى حتى تطوى صفحة الإنسان من على الأرض، رحمه الله رحمة واسعة وتقبله من الصالحين وأحسن الله عزاءنا جميعا فيه, وجعل ما ترك من عمل صالح خالصا لوجهه الكريم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي