تغريم الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية

[email protected]

أثناء قراءتي التقرير السنوي للعام المالي 2006 الخاص بشركة بيشة الزراعية، لفت انتباهي في الصفحة رقم 11 من التقرير إعلان يوضح قيام هيئة السوق المالية بفرض ثلاث غرامات مالية على الشركة بقيمة إجمالية بلغت 210 آلاف ريال، بسبب التأخر في الإفصاح عن بعض القرارات والعقود والاتفاقات المهمة، وهو بلا شك إعلان فريد من نوعه يبين لنا أن هيئة السوق المالية مشكورة تقوم فعلا بفرض غرامات على الشركات المخالفة لأنظمة الإفصاح و الشفافية دون الإعلان رسميا عن ذلك.
عند التمعن جيدا في الإعلان، نجد أن متوسط قيمة الغرامة الواحدة يبلغ 70 ألف ريال فقط وهي قيمة صغيرة جدا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن إغلاق سعر سهم شركة بيشة بالنسبة القصوى المسموح بها في يوم واحد فقط يعني تحقيق مكاسب في حدود 35 مليون ريال "10 في المائة من القيمة السوقية الإجمالية البالغة 350 مليون ريال تقريبا". هذا يدل على وجود تباين كبير بين قيمة الغرامة و قيمة المكاسب، ما يعني توجيه دعوة غير مباشرة لمسؤولي الشركات عموما بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحها التنفيذية من خلال تسريب المعلومات الداخلية "الإيجابية أو السلبية منها" في ظل تطبيق غرامات مالية ذات قيمة متواضعة.
تتركز المشكلة في أن قيمة المكاسب التي قد يجنيها المضاربون نتيجة حصولهم على معلومات داخلية من الشركات هي في الواقع أكبر بكثير من مبلغ 35 مليون ريال "كما في مثال شركة بيشة"، لأنه من المحتمل أن ينجحوا في رفع أو خفض أسعار الأسهم بالنسبة القصوى لعدة أيام "بدلا من يوم واحد فقط" ومن المحتمل أيضا أن يتم ذلك في شركات ذات قيمة سوقية أعلى من شركة بيشة مما يعني تحقيق مكاسب أكبر، إلا أن ذلك يعتمد بشكل رئيسي على التأثير المتوقع للمعلومة الداخلية في النتائج المالية الحالية و المستقبلية للشركات، إضافة إلى طول الفجوة الزمنية بين الحصول على المعلومة الداخلية وإعلانها بشكل رسمي من قبل الجهات الرسمية أو من الشركات نفسها.
السؤال الآن هو: هل من المعقول أن تكون الغرامة الواحدة بقيمة 70 ألف ريال فقط نتيجة تأخر الشركات في الإفصاح عن قرارات وعقود واتفاقات مهمة، في حين أن المكاسب بسبب تلك المخالفات تصل إلى عشرات الملايين "على أقل تقدير"؟
من زاوية أخرى، لفت انتباهي أيضا قيام هيئة السوق المالية بتغريم شركة بيشة نتيجة لتأخرها بالإفصاح عن معلومات مهمة بدلا من تغريم المسؤولين الذين تسببوا في هذا التأخير في ثلاث حالات مختلفة، حيث إن فرض غرامات مالية على الشركات فيه ضرر مباشر على ربحية الشركات مما يعني تضرر مساهميها بطريقة غير مباشرة. في المقابل، لم يثبت لنا حتى الآن قيام الهيئة بفرض غرامات مالية تجاه أي من أعضاء مجالس الإدارات أو الإدارات التنفيذية للشركات عن ارتكابهم مثل هذه المخالفات.
ولنتساءل: كيف يتم فرض غرامات مالية على الشركات ومساهميها دون أن تطول الغرامة المالية المتسببين فيها في ظل تكرر مثل هذه المخالفات خلال فترة زمنية بسيطة؟ و ما ذنب مساهمي الشركات في تحمل هذه الغرامات بطريقة غير مباشرة؟ وكيف للمساهمين "المغلوبين على أمرهم" منع شركاتهم من تكرار هذه المخالفات مستقبلا؟
عند قراءة المادة 56 من نظام السوق المالية المتعلقة بالعقوبات والأحكام الجزائية للمخالفات، نجد أن هذه المادة تضمنت أن "يكون مسؤولاً عن تعويض الأضرار المادية أي شخص يغفل التصريح ببيانات تتعلق بواقعة مادية جوهرية إذا ترتب على ذلك تضليل شخص آخر بشأن بيع ورقة مالية أو شرائها". بالرجوع إلى تعريفات النظام لكلمة "شخص"، نجد أن النظام عرف الشخص على أنه أي شخص طبيعي "مثل الأفراد" أو اعتباري "مثل الشركات أو المؤسسات"، ما يعني أن مسؤولية تعويض الأضرار لا تقع على الشركة فقط، بل تقع أيضا على المسؤولين فيها وهنا مربط الفرس.
هذا يدل على أن نظام السوق المالية لا يحصر فرض الغرامات المالية على الشركات فقط، بل من الممكن حصرها في مسؤولي الشركات المخالفة فقط "مثل أعضاء مجلس الإدارة أو كبار مسؤولي الإدارة التنفيذية" أو في كليهما معاً إذا ظهرت حاجة إلى ذلك، وبالتالي فإن الخلل في تطبيق العقوبات والأحكام الجزائية يتركز في تطبيق النظام وليس في النظام بحد ذاته.
بمقارنة السوق المالية السعودية مع الأسواق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، نجد أنه لم يسبق أن تم الإعلان في السوق المالية السعودية عن أي عقوبات أو غرامات مالية تجاه الأشخاص الطبيعيين المخالفين لأنظمة الشفافية والإفصاح "وليس المخالفين لفترات حظر التداول"، بينما نجد أن تاريخ الأسواق المالية الخليجية زاخر بالكثير من الأمثلة على تطبيق العقوبات تجاه الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المخالفين لأنظمة الإفصاح، بل والتشهير بهم، منها على سبيل المثال: قضية تحييد الأسهم في سوق الكويت للأوراق المالية، قضية تسريب المعلومات الداخلية لشركة أملاك للتمويل في سوق دبي المالية، وقضية شركة السلام العالمية في سوق الدوحة للأوراق المالية.
لا شك أن توجه هيئة السوق المالية بفرض غرامات مالية تجاه المخالفين هو توجه إيجابي بكل المقاييس، لكن لدينا أمل وثقة بمسؤولي الهيئة "وفقهم الله" بأن يعيدوا النظر تجاه موائمة قيمة المخالفة المرتكبة مع المكاسب الممكن تحقيقها من المخالفة، وتجاه آلية تطبيق العقوبات لتشمل الأشخاص الطبيعيين المسؤولين مسؤولية مباشرة عن سرية المعلومات الداخلية في الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي