الريال والدولار .. ويستمر النقاش

[email protected]

أثرت من خلال مقالة كتبتها في الصيف الماضي "آب (أغسطس) 2006م" مسألة سعر صرف الريال بالدولار، ودعوت إلى رفع سعره مقابل الدولار المستمر في الانخفاض. وعندما رفعت الكويت أخيراً للمرة الثانية في غضون سنة سعر صرف الدينار وربطته بسلة عملات، كررت دعوتي من خلال مقالتين نشرتا هنا قبل نحو شهر، إلى أن الوقت أصبح مناسبا لإعادة النظر في سعر صرف الريال بالدولار، الذي قدرت بعض الدراسات أنه أصبح مقوما بأقل من قيمته الحقيقية مقارنة بالدولار بنحو 30 في المائة! وكتب بعض الأخوة الزملاء مقالات حول الموضوع نفسه، منهم مَن رأى ما رأيت وأيده، ومنهم من فضل إبقاء سعر الريال على حاله باعتبار ذلك أفضل سياسة يمكن اتباعها في الوقت الراهن، ومن أهم مَن كتب في هذا الاتجاه الزميل الدكتور أنس الحجى، الذي كتب ثلاث مقالات مال فيها إلى إبقاء سعر الريال على حاله!
لأخي الدكتور أنس نصيب من اسمه! فقد أنست بلقائه وحرصت على دعوته واللقاء به وجها لوجه لأول مرة عندما علمت بوجوده في جدة في طريقه لأداء العمرة قبل نحو ثلاثة أسابيع. فأنا من المتابعين الحريصين على قراءة مقالاته وأبحاثه المتخصصة في مجال الدراسات الاقتصادية عامة والنفطية خاصة. وفي هذا اللقاء تحدثت معه في شؤون اقتصادية شتى بما سمح به الوقت في حينه. وقد أجلنا النقاش في موضوع سعر صرف العملات الخليجية بالدولار المتدهور، عندما علمت منه أنه عازم على كتابة مقالات حول الموضوع، خاصة بعد لقائه بنائب محافظ مؤسسة النقد د. محمد الجاسر. ولذلك تحدثت معه في موضوع البطالة الذي يعدّ من أهم وأخطر التحديات التي تواجه اقتصادنا والاقتصادات العربية عموما، ولعلي أتناوله في مقال لاحق.
وقد أسعدني جدا د. أنس عندما علمت منه أن المجموعة السعودية للنشر التي تصدر عنها جريدتنا الغراء "الاقتصادية" عازمة على إصدار مجلة عربية رفيعة المستوى متخصصة في الدراسات النفطية، وسيكون هو مشرفا عليها، وحقا من غيره فعلا يتصدى لمثل هذا المشروع المهم. وقد أخبرته أن هذه المجلة ستكون، وفقا للأفكار والتصورات التي طرحها أمامي، علامة فارقة في الصحافة المتخصصة العربية بل وحتى الدولية. وستصنع اسما وسمعة دوليتين سيكون لهما صدى واسعا، لا يقل عن الصدى والسمعة الدولية التي صنعتها بعض القنوات الإخبارية العربية، لأنها ستصبح مرجعا علميا رصينا لمثل هذا النوع من الدراسات في المحافل العالمية كافة.
ثم قام أخي د. أنس بعد هذا اللقاء بنشر سلسلة مقالات حول سعر صرف الريال بالدولار انتهي فيها إلى أنه يفضل السياسة الحالية التي تأخذ بها مؤسسة النقد في عدم تغيير سعر صرف الريال بالدولار وبقاء ربطه به. هذا على الرغم من اعترافه بأن لهذه السياسة مساوئها وتكاليفها خاصة فيما يتعلق بالتضخم الذي أضحى يؤثر بشكل كبير في مستوى معيشة أغلب السكان. وقد جاء رأيه موافقا لرأيي فيما يتعلق بأفضلية استمرار ربط عملتنا في المرحلة الراهنة بعملة دولية رائدة بدلا من ربطها بسلة عملات، وأن استمرار ربطه بالدولار قد يكون ملائما طالما أن النفط مازال يسعر به. لكن هذا لا يعفينا من ضرورة الاستعداد من الآن بتكوين الخبرات التراكمية والكفاءات الاقتصادية والقانونية والفنية التي تستطيع أن تتعامل مع ما يستجد من تطورات إذا استمر الدولار الواهن في التراجع عن قوته النسبية في المعاملات التجارية الدولية.
وقد أقر أخي د. أنس في مقالته الأخيرة يوم الثلاثاء الماضي، أنه سبق أن كتب مقالات في بعض الصحف الخليجية في نهاية عام 2002م، بين فيها المكاسب التي حققتها الكويت من خلال ربط عملتها بسلة عملات. ففي فترة التقلبات الشديدة للعملات العالمية في الثمانينيات حقق برميل النفط الكويتي قوة شرائية أعلى من نظيره السعودي والإماراتي. بل إنه حذر في تلك المقالات من أن عودة الكويت إلى ربط عملتها بالدولار ستكون له عواقب تضخمية خاصة فيما يتعلق بالسلع المستوردة من اليابان وأوروبا. كما أقر - حفظه الله - بأن الخبرة الكويتية في ربط عملتها بسلة عملات التي امتدت إلي نحو ثلاثة عقود حتى ما قبل عام 2003م، قد ساعدها كثيرا على سهولة فك ارتباط عملتها بالدولار أخيراً.
لكني تعجبت من رأي د. أنس عندما قال إنه على الرغم من أن أي دولة خليجية تستطيع الاستفادة من تجربة الكويت في ربط عملتها بسلة عملات، إلا أن لهذا التحويل تكاليف عالية جدا، بل وقد لا يؤتي ثماره. لأن نجاح تجربة الكويت لا يعني بالضرورة نجاحها في دولة أخرى!! ومصدر تعجبي هو أن أية سياسية تحتاج إلى نقطة زمنية تبدأ منها وفقا للمصلحة. فهل ولدت الكويت منذ حصلت على استقلالها وفي فمها ملعقه ربط عملتها بسلة عملات ؟ أم أن الربط جاء لاحقا في زمن ما من تاريخها الاقتصادي وفقا لمصلحة رأتها ثم تراكمت لديها الخبرات؟ إن كل سياسة جديدة لابد لها من نقطة انطلاق زمنية دون سابق تجربة. كما لم استطع أن أفهم كيف يمكن للاقتصاد الكويتي أن تكون له خصوصية كبيرة تميزه عن دول الخليج الأخرى؟ وهي الاقتصادات المتشابهة إلي حد بعيد جدا في هيكلها الاقتصادي العام وبالذات فيما يتعلق بهيكل تجارتها الخارجية! بل إن أخي د. أنس ذهب إلي أبعد من ذلك عندما قال إن كبر حجم الاقتصاد السعودي مقارنة بالكويتي، لا يؤهله لربط عملته بسلة عملات، بزعم أن الربط بسلة عملات يناسب الدول الصغيرة ولا يناسب الدول الكبيرة!!
ومع كل ذلك، فأنا لم أدعو إلي ربط عملتنا بسلة عملات في الوقت الراهن. لكني أدعو للاستعداد لهذا الاحتمال حتى لا يأتي زمن نقول فيه إنه ليس لدينا خبرات سابقة به ولا كفاءات لاحقة. ما دعوت إليه هو أن الوقت أصبح مناسبا لرفع سعر صرف الريال مقابل الدولار المنخفض. لأن كثيرا من الدراسات الاقتصادية تشير إلى أن الاتجاه العام لمستقبل الدولار هو أنه على انخفاض مستمر بناء على حقائق بيانات الاقتصاد الأمريكي، ولذلك فليس هناك معنى للقول وماذا سنفعل لو ارتفع سعر الدولار. ودعوتنا لرفع سعر الريال ليست وليدة رد فعل عاجل لوضع الدولار، بل مبنية على اتجاهه العام في العقود الأخيرة والاتجاه المتوقع له في المستقبل. وقد أقر أخي د. أنس بأن هذا المطلب معقول لمواجهة التضخم الذي أخذ الاقتصاد والناس يعانون منه كثيرا. أما تأثيره المحتمل في موسم الحج فأراه محدودا، لأن الطلب على فريضة الحج لا يتأثر كثيرا بتغير تكاليفه (طلب غير مرن)، كما أن الانخفاض المعقول المحتمل في عدد الحجاج مرغوب فيه بالنظر لضيق مساحة المشاعر المقدسة، وهي سياسة دعت إليها بلادنا وتبنتها منظمة المؤتمر الإسلامي منذ عدة سنوات. ليس هناك سياسة اقتصادية ثابتة، هناك مصالح اقتصادية ثابتة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي