منافع ومساوئ فك ارتباط الريال بالدولار
من بين أفضل التحليلات التي قرأتها حول العوائد والمساوئ المرتبطة بفك الارتباط بين الريال السعودي والدولار الأمريكي، مقال للكاتب الدكتور أنس الحجي، نشر في "الاقتصادية" في العدد 4985، بعنوان "رفع قيمة الريال وعائدات النفط.. المنافع والمساوئ"، الذي شخص من خلاله الكاتب تشخيصاً دقيقاً العلاقة التي تربط بين الريال والدولار، بأسلوب سهل ممتنع، أوضح أبرز العوائد، السلبيات المالية، الاقتصادية، والتجارية، التي تعود على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى الريال السعودي بشكل خاص، نتيجة لذلك الارتباط.
بادئ ذي بدء في رأيي أن الأمر يستلزم قبل التحدث عن منافع ومساوئ فك ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، العودة قليلاً إلى الوراء في عمر الزمن، للتعرف على أسباب ودواعي ربط الحكومة السعودية لعملتها الريال بالدولار الأمريكي، وكذلك عن أسباب تثبيت سعر صرفها مقابل الدولار، منذ نحو عام 1977، التي لعل من بين أبرزها وأهمها، أن معظم التدفقات النقدية الداخلة للحكومـة السعودية Incoming Cash Flow، والتي مصدرها الرئيسي بطبيعة الحال، الإيرادات المتولدة عن بيع النفط لدول العالم المختلفة، يتم تقييمها وتقديرها بالدولار الأمريكي، كما أن معظم التدفقات النقدية الخارجة Out Going Cash Flow الخاصة بالنفقات العامة للدولة، يتم تقييمها وتقديرها بالدولار الأمريكي، الأمر الذي يساعد الحكومة السعودية ويسهل عليها إدارة تدفقاتها النقدية الداخلة والخارجة Cash Flow Management، ولا سيما في ظل ظروف أسعار نفط عالمية متذبذبة، يصعب التنبؤ باستقرارها وبديمومة ثباتها عند مستوي أو حد سعري معين، وبالتالي فإن ربط الحكومة السعودية لعملتها الريال بالدولار، يمنحها حيزا ومساحة كبيرة من الحرية، المرتبطة بالمحافظة على تحقيق مستوى معين من الإيرادات، بما يخدم مصلحة الاقتصاد السعودي، كما أن ذلك يمكنها من التحكم والسيطرة على حجم وقيمة فاتورة المصروفات العامة للدولة المقومة بعملة الدولار.
الدكتور الحجي أوضح من خلال مقاله المذكور، أبرز مساوئ رفع سعر صرف الريال، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) فقد بعض المنتجات السعودية غير النفطية قدرتها التنافسية خارج السعودية، بسبب ارتفاع أسعارها. (2) خسارة الخزانة العامة للدولة مئات الملايين من الريالات، بسبب انخفاض قيمة برميل النفط السعودي المصدر المقدر بالريال. (3) خسارة الحكومة مئات الملايين من الريالات نتيجة لانخفاض قيمة الاحتياطيات النقدية الخارجية المقدرة بالريال. (4) انخفاض قيمة الأصول التي يملكها السعوديون والمقيمون في الخارج المقدرة بالريال السعودي، الأمر الذي سيمنع هذه الاستثمارات من العودة إلى الاستثمار في السعودية. (5) زيادة حدة الاستهلاك، خاصة بالنسبة للسلع المستوردة، بالذات إذا قامت عدة دول خليجية برفع أسعار عملاتها وازداد استهلاكها معاً. (6) ارتفاع تكاليف الحج والعمرة على ملايين المسلمين من الناس، الأمر الذي قد يمنع البعض من المسلمين أداء تلك المناسك، خاصة الذين يأتون أو يعيشون في دول ستتأثر عملاتها (بالانخفاض)، نتيجة لرفع قيمة صرف سعر الريال.
ومن بين منافع رفع سعر صرف الريال وفق ما ورد في المقال المذكور: (1) انخفاض أغلب أسعار السلع المستوردة من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، الأمر الذي بدوره سيسهم في تخفيض مستويات التضخم. (2) ارتفاع نسبة الاستهلاك في الناتج المحلي على حساب قطاع الصادرات. (3) ارتفاع القيمة الشرائية لتحويلات العمال الوافدين في بلادهم، بخاصة إذا كانت هذه البلاد ترتبط عملتها بالدولار. (4) ارتفاع قيمة أصول وعوائد الشركات الأجنبية العاملة في المملكة، التي أدخلت استثماراتها للسعودية بالدولار.
معالي الأستاذ حمد السياري محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، خلال حوار تلفزيوني في برنامج "بلا تحفظ"، بثته القناة الأولى السعودية، أعتبر أن ضعف قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وتأثير ذلك في القوة الشرائية للريال السعودي وقيمته، لن يتسبب في حدوث ضغوط تضخمية على الاقتصاد السعودي، بالشكل المقلق، ولا سيما أن التضخم بدأ يسجل تراجعاً مطرداً من شهر إلى شهر، رغم تسجيله نحو 3 في المائة في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) على التوالي من العام الجاري، لكن محافظ "ساما" أبدى مخاوفه من حدوث ضغوط تضخمية على قطاعي العقارات والإيجار، ولا سيما في ظل الطفرة العقارية التي تشهدها السعودية.
خلاصة القول، في رأيي أن الموازنة بين العلاقة التي تربط بين الريال والدولار وبين انخفاض قيمة الدولار وتأثير ذلك في القوة الشرائية للريال أمر في غاية الأهمية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، إغفال نتائجه وتأثيراته في الاقتصاد الوطني بشكل عام وفي المستهلك السعودي بشكل خاص، ولا سيما أن ضعف قيمة الدولار يؤثر في قيمة القوة الشرائية للريال مقابل العملات الرئيسية الأخرى، التي يضعف أمامها الدولار، ولكن في الوقت نفسه يجب أن ندرك تماماً أن قرار فك ارتباط الريال بالدولار من عدمه، ليس بالقرار السهل الممتنع، الأمر الذي بدوره يتطلب من الحكومة السعودية التفكير الجاد في البدائل، بشكل متأن ومتدرج، إضافة إلى أن ذلك يتطلب حسابا دقيقا للمكاسب والتكاليف المترتبة على تلك البدائل، وبالذات في ظل اتفاق جميع دول الخليج على إبقاء ربط عملاتها بالدولار إلى أن يتم طرح عملة موحدة في عام 2010، وبرأيي أيضاً يجب أن يتم التفكير خلال الفترة القادمة لربما، في رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، بما يوازي أو يقارب الانخفاض في قيمة الدولار، شريطة ألا يتسبب ذلك في حدوث أي نوع من أنواع المضاربات، كما أن الأمر ربما يتطلب إحكام المزيد من السيطرة والرقابة من قبل الجهات المعنية في الدولة، مثل وزارة التجارة والصناعة وغيرها، على توجهات الزيادة في أسعار المواد والسلع الاستهلاكية الأساسية والضرورية، مثل الدواء والغذاء وأسعار وإيجارات المساكن، كما أن الأمر كذلك يتطلب من الحكومة، تنويع احتياطاتها واستثماراتها الخارجية، إضافة إلى التفكير الجاد في فك ارتباط الريال بالدولار، والاستعاضة عن ذلك بسلة عملات رئيسية، بالذات في حالة إخفاق دول مجلس التعاون في الوصول إلى عملة خليجية موحدة بحلول عام 2010، وبالله التوفيق.
مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية