لماذا يشارك "الإخوان المسلمون" في انتخابات "الشورى" المصري؟

[email protected]

ماذا يريد "الإخوان المسلمون" من ترشيح هذا العدد الكبير من أعضائهم في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى الجارية حالياً في مصر؟ هذا هو السؤال الذي يردده حالياً معظم المراقبين والمهتمين، سواء بالشؤون السياسية المصرية أو بتطورات جماعة الإخوان المسلمين. ويتكرر طرح السؤال عادة بصيغة استنكارية أكثر منها استفهامية، لسببين على الأقل: الأول هو أن الدور المنوط بمجلس الشورى في مصر ليس كبيراً على الصعيد التشريعي حيث يختص مجلس الشعب بمعظم الصلاحيات التشريعية، كما أنه لا يملك أي اختصاص رقابي على الحكومة، ومن هنا فالتساؤل والاستغراب يأتيان من إقدام الإخوان المسلمين على خوض المنافسة الشرسة على عضوية مثل هذا المجلس. أما السبب الثاني، فهو حقيقة أنه في كل انتخابات مجلس الشورى التي جرت منذ عام 1980، تاريخ قيامه، لم ينجح أي مرشح معارض منتم لأي قوة سياسية مصرية حزبية أو غير حزبية سوى ممثل واحد لحزب التجمع اليساري في الانتخابات الماضية قبل أعوام ثلاثة، وسيطر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على المقاعد المنتخبة كافة.
من هنا يبدو التساؤل والاستغراب من إصرار جماعة الإخوان المسلمين على خوض الانتخابات الحالية لهذا المجلس وإعطائها اهتماماً يبدو كبيراً. والحقيقة أن هذا الاهتمام وحرص الجماعة على خوض الانتخابات ينبع من عديد من الاعتبارات السياسية التي أحاطت بالجماعة وبالنظام السياسي المصري خلال العامين الأخيرين. أول تلك الاعتبارات النجاح الهائل الذي حققته الجماعة في انتخابات مجلس الشعب التي جرت في نهاية عام 2005، حيث حصلت للمرة الأولى في تاريخها وتاريخ مصر على خمسة مقاعد في هذا المجلس، ما وضعها في المكان التالي مباشرة للحزب الوطني الحاكم وقبل كل الأحزاب المعارضة الرسمية التي حصلت كلها على عدد مقاعد يقل تسع مرات عما حصل عليه الإخوان المسلمون. من هنا فالجماعة أرادت أن تواصل في انتخابات مجلس الشورى ما بدأته في انتخابات مجلس الشعب من تأكيد حضورها السياسي والانتخابي المؤثر حتى لو لم يؤد ذلك إلى نجاح عدد كبير من مرشحيها فيها، وهو ما تمثل في ترشيح نحو 40 عضواً منها في حين لم يصل عدد مرشحي أكثر أحزاب المعارضة إلى عشرة أشخاص. ومن الواضح أيضاً في السياق نفسه ومن الطريقة التي يدير بها الإخوان تلك الانتخابات أن هدف تدريب أعضائهم على تلك النوعية من الانتخابات التي تجرى في دوائر أوسع بكثير من دوائر مجلس الشعب ولا تخضع للإشراف القضائي المباشر، يعد هدفاً رئيسياً لمشاركتهم فيها، حيث يوفر لهم ذلك خبرة عملية مباشرة بها ويجعلهم قادرين على تحقيق نتائج أفضل فيها في المرات المقبلة.
من ناحية ثانية، فمن المعروف أن مرشحي "الإخوان" دخلوا تلك الانتخابات تحت شعار "الإسلام هو الحل"، وهو الشعار الذي كان مثاراً لجدال سياسي واسع في مصر خلال الأشهر السابقة أثناء إجراء التعديلات الكبيرة في الدستور المصري والتي أسفرت عن وضع مادة جديدة فيه تحظر قيام الأحزاب أو النشاط السياسي على أساس الدين أو المرجعية الدينية، وهو الأمر الذي وضع بعد ذلك في القانون الذي بات يعاقب أي مرشح في أية انتخابات يستخدم شعارات دينية بإلغاء ترشيحه. فـ "الإخوان" يعرفون جيداً أنهم كانوا المقصودين من التعديل الدستوري ومن النص القانوني الجديدين، وأن انتخابات مجلس الشورى الحالية ستكون أول مناسبة لتطبيقهما، ومن هنا فقد أصرت الجماعة على خوضها تحت الشعار نفسه لتحقيق غرضين على الأقل. الأول هو تأكيد تمسكهم بهذا الشعار الذي بدأوا في استخدامه منذ انتخابات مجلس الشعب عام 1987 وتحقيق مزيد من الدعاية له والانتشار في مختلف أوساط المجتمع المصري، بما يمهد الطريق للجماعة للاستفادة منه والعمل من ورائه في أي انتخابات أخرى قادمة وبخاصة الانتخابات المحلية المتوقع إجراؤها في نهاية العام المقبل.
أما الغرض الثاني فهو قانوني - سياسي معاً، حيث ترى الجماعة - وكثير من المراقبين المصريين - أن المادة الجديدة التي أضيفت للدستور وتحظر العمل السياسي المرتبط بالدين تتناقض مع المادة الثانية من الدستور نفسه، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وبالتالي فهي ترى أن الأولوية لتلك المادة الأخيرة، وأن النص القانوني الجديد المشار إليه، والذي يعاقب بالشطب من قوائم الترشيح كل من يستخدم شعارات دينية هو نص غير دستوري يجب إلغاؤه. من هنا، فإن جماعة الإخوان تتوقع قيام اللجنة العليا المشرفة على انتخابات الشورى بشطب مرشحيهم منها استناداً إلى ذلك وبسبب استخدامهم شعار "الإسلام هو الحل"، وهو ما سيمكنها من اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للطعن في دستورية النص القانوني الجديد استناداً إلى المادة الثانية من الدستور المشار إليها. والأرجح أن الجماعة تتوقع أن تضع مثل تلك الدعوى القانونية المحكمة الدستورية في وضع يدفعها إلى حسم قضية التناقض بين تلك المادة الأخيرة والمادة الخامسة المستحدثة في الدستور التي تحظر خلط الدين بالعمل السياسي، وهم يتوقعون أن يكون ذلك لصالح المادة الثانية بما ينهي ذلك الحظر الدستوري والقانوني ويفتح الباب أمام الجماعة لاستخدام شعارها التاريخي في كل الانتخابات والأنشطة السياسية في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي