"أرامكو" و"سابك".. حان وقت الشراكة
خلال شهر أيار (مايو) الجاري احتل اسم المملكة العربية السعودية أكثر من مرة العناوين الرئيسة في أخبار أسواق المال والأعمال حول العالم. ففي اليوم الثاني عشر من هذا الشهر أعلنت شركة أرامكو السعودية توقيع مذكرة تفاهم مع شركة داو كيميكال الأمريكية لتطوير مجمع إنتاج البلاستيك والكيماويات في رأس تنورة بتكلفة لم يعلن عنها, إلا أن الرقم المتداول في السوق للاستثمارت المرتقبة في المجمع والذي يشير إلى حوالي (20) مليار دولار يجعله الأكبر من نوعه على مستوى العالم. ثم في بحر عشرة أيام فقط من ذلك الإعلان, جاء إعلان آخر ولكن في هذه المرة من مدينة نيويورك عندما تناقلت وكالات الأنباء خبر شراء شركة " سابك " وحدات إنتاج قطاع البلاستيك في شركة " جنرال إليكتريك " الأمريكية في صفقة بلغت قيمتها (11.6) مليار دولار.
بالطبع كانت هناك أخبار أخرى كثيرة سارة صدرت عن المملكة خلال هذا العام الحالي في مجال الاستثمارات الصناعية الضخمة Mega Projects من بينها مجمع شركة معادن في رأس الزور ومجمع الألمنيوم في المدينة الاقتصادية في جازان, وغيرهما. تلك المشروعات بينها عوامل مشتركة تستحق التنويه, إذ إنها تقدم للمجتمع الدولي صورة عادلة عن المملكة كدولة تبني مستقبلاً مشرقاً لمواطنيها بدلاً من تلك الصورة القاتمة التي حاول البعض رسمها عن المملكة عقب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). كما أن وجود شركاء استراتيجيين من الطراز الأول على مستوى العالم في تلك المشروعات يبعث برسالة مطمئنة للأسواق عن جدية الاستثمار في المملكة ووجود لاعبين يمكن الاعتماد عليهم, وهي رسالة جاءت في وقتها.
بدأت تطفو على السطح خلال السنوات القليلة الماضية معالم تغير تدريجي في أسواق الطاقة على مستوى العالم لصالح الدول المنتجة للنفط والغاز، ما يهيئ فرصاً أمام تلك الدول, وعلى رأسها المملكة، للحصول على تقنيات وشراكات في مجالات البتروكيماويات, الأسمدة, والمعادن، أكبر وأوسع من تلك التي تحققت في مطلع الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي. ومن ثم لا بد من النظر إلى مجمع رأس تنورة بالمشاركة مع شركة داو, ومن قبله مجمع "بترورابغ" بالمشاركة مع شركة سوميتومو اليابانية كبداية لمخطط طموح لشركة أرامكو السعودية لبناء المزيد من تلك المجمعات مستهدفة الحصول على أكبر عوائد ممكنة من كل برميل نفط تنتجه وفي الوقت نفسه توطين تقنية متطورة تحتكرها نخبة من الشركات في الغرب.
وما قيل عن طموحات "أرامكو" يمكن أن ينسحب أيضاً على مخططات شركة سابك وخطواتها لتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية بالقرب من مناطق الاستهلاك والتي بدأتها بشراء شركة هولندية, أعقبتها بشراء شركة بريطانية, ثم توجت تلك الخطوات بصفقة شراء قطاع البلاستيك في "جنرال إليكتريك" التي تقف في الصف الأول في امتلاك تلك التقنية. وهناك بالطبع صفقة الصين الجاري التفاوض حولها منذ فترة.
لكن تلك الفرص الكبيرة سواء في الداخل أو في الخارج تشكل أيضاً تحديات إدارية, تسويقية، مالية, قانونية, وغيرها، ما يدعونا للتفكير بجدية في ضرورة التنسيق بين كبار لاعبينا في مجال البتروكيماويات وهما "أرامكو" و"سابك" بحيث نعظّم المنافع maximize the benefits للاقتصاد الوطني. ذلك التنسيق لا بد أن يُترجم في مرحلة ما إلى بروتوكول تعاون بين الشركتين يضمن مستقبلاً ألا يجلس أحدهما في جانب من طاولة المفاوضات مواجهاً للآخر, بل يجلسان جنباً إلى جنب في مواجهة الآخرين.
صحيح أن هناك فوارق كثيرة بين الشركتين كالحجم, الإمكانات, الإدارة, العلاقات الخارجيـة, السياسات المالية, آليات اتخاذ القرار, وغيرها من الفوارق الموضوعية التي لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها. لكن في المقابل هناك عامل مشترك قد يرجح منفرداً كل تلك الفوارق ألا وهو أن مكاسب كلتا الشركتين تعود في النهاية للمواطن بمن في ذلك الأجيال القادمة التي تملك أكثر من ثلثي شركة سابك.
إن الشراكة الناجحة بين الكبار تعتمد في المقام الأول على رؤية واسعة للمستقبل, وأحسب أن "أرامكو" السعودية و"سابك" قادرتان على رسم تلك الرؤية وتحقيقها بإذن الله.