هل يجب دفع رأس المال كاملا .. الآن؟

[email protected]

خلال الأعوام الأخيرة وتحديدا العام المالي 2006، توافرت لدى كثير من الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية فوائض مالية تزيد على حاجتها إلى الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل أمام الغير، ما أرغم هذه الشركات على توجيه السيولة الفائضة نحو نشاطات بعيدة عن نشاطاتها الرئيسية بهدف تحقيق أعلى عائد ممكن للمساهمين. كانت نتيجة ذلك ارتفاع نسبة الأرباح غير المتكررة (ما يعرف بالأرباح غير التشغيلية) إلى إجمالي صافي الأرباح, وبالتالي ارتفاع مستوى المخاطرة في السوق المالية بشكل عام.
كمثال على ذلك، قيام شركة معينة (لتكن الشركة س) باستثمار فائض السيولة لديها في المضاربة على أسهم شركة أخرى (ولتكن الشركة ص) وهذا بدوره يعني أنه في حال ارتفاع أو انخفاض أسهم الشركة ص فإن ذلك سينعكس إيجابيا أو سلبيا على النتائج المالية للشركة س، وتتعقد الأمور بشكل كبير عندما نكتشف قيام شركة ثالثة (ولتكن الشركة ع) بالمضاربة على أسهم شركة س. عندما تناقش المسؤولون في الشركات س و ع عن أسباب قيامهم بذلك، نجد أن الإجابة ترتبط دائما بسبب وجود فوائض مالية يجب عليهم استثمارها لتحقيق أقصى منفعة ممكنة للمساهمين، إلا أن الكارثة الحقيقية تتمثل فيما لو أعلنت الشركة ص إفلاسها, ما يعني نتائج سلبية مؤكدة على مساهمي الشركات س و ع!
لتخفيض مستوى المخاطرة في السوق، قامت هيئة السوق المالية خلال عام 2006 بوضع ضوابط على الشركات المدرجة في السوق المالية تهدف للحد من استثماراتها قصيرة الأجل والموجهة أساسا للاستثمار في أوراق مالية صادرة من قبل شركات أخرى، حيث تم إلزام الشركات المدرجة في السوق بهذه الضوابط مع انتهاء المهلة المحددة في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2006 الماضي. مع إعلان الشركات نتائجها المالية للربع الرابع 2006م والربع الأول 2007م، نجد تحسنا كبيرا في نسبة الأرباح التشغيلية بالنسبة إلى إجمالي صافي الأرباح لدى معظم الشركات (بما فيها شركات المضاربة) وبالتالي انخفاض مستوى المخاطرة بسبب انخفاض ارتباط الأداء بين الشركات.
من جهة أخرى، مع الإعلان عن تأسيس شركات جديدة برساميل ضخمة تمتص سيولة كبيرة من العرض النقدي المحلي مثل: شركة كيان السعودية ومصرف الإنماء وشركة ركيزة وغيرها من الشركات الكبرى، يحق لنا أن نتساءل: هل ستستخدم هذه الشركات رساميلها فورا في نشاطاتها الرئيسية, أم أنها ستجد سيولة فائضة عن حاجتها ستضطر إلى استثمارها في مجالات بعيدة عن نشاطاتها الرئيسية؟
بالتأكيد أن غالبية هذه الشركات لن تحتاج إلى كامل قيمة رأس المال عند تأسيسها, ما يعني أنه من المتوقع أن تلجأ هذه الشركات إلى استثمار السيولة الفائضة عن حاجتها في مجالات بعيدة عن نشاطاتها الرئيسية مثل: الودائع المصرفية، المرابحات الإسلامية، النشاط العقاري، أسهم الملكية الخاصة أو حتى في أسهم الملكية العامة. هذا يعني أنه عند إدراج أسهم هذه الشركات في السوق المالية، فإن هيئة السوق المالية ستواجه مشكلة ارتفاع مستوى المخاطرة في السوق مرة أخرى بسبب اعتماد هذه الشركات على أرباح غير متكررة ناتجة بشكل رئيسي من إعادة تقييم الأصول (أوراق مالية، ودائع، مرابحات إسلامية، سندات، صكوك إسلامية، أو عقار).
ما يؤكد ذلك أنه عند النظر إلى القوائم المالية لكل من شركتي ينساب وإعمار المدينة الاقتصادية، يتبين لنا بشكل واضح أن هاتين الشركتين لم تحتاجا إلى كامل رأس المال عند تأسيسهما ما دفعهما في البداية لاستثمار السيولة الفائضة في نشاطات أخرى، بينما كان من الأفضل طلب رأس المال على دفعات أو أقساط تتوافق مع احتياجات كل شركة للتدفقات النقدية المستقبلية. هذا يعني أنه طالما أن الشركات الجديدة تحتاج في البداية إلى جزء من رأس المال، فلماذا تطلب من مساهميها دفع كامل رأس المال عند التأسيس؟ ولماذا؟
في الإطار نفسه، نجد أنه عند الإعلان عن اكتتابات عامة لشركات جديدة ذات رساميل ضخمة، فإن الإعلان عن مثل هذه الاكتتابات أصبح (مع الأسف) يؤثر سلبيا في أداء السوق بسبب ضخامة الرساميل المطلوبة وشح السيولة النقدية المتداولة. هذا يدل على ضرورة توافق رساميل الشركات الجديدة مع احتياجاتها النقدية قصيرة الأجل بهدف التقليل قدر الإمكان من تأثير هذه الاكتتابات في حجم السيولة, وأيضا للتأكد من استخدام الشركات رساميلها الاستخدام الأمثل.
عند النظر إلى تاريخ السوق المالية السعودية، سنجد أن الآلية المعمول بها عند تأسيس الكثير من الشركات اتبعت منذ عشرات الأعوام طريقة تسديد رأس المال على شكل أقساط دفعات تتماشى مع احتياجات هذه الشركات إلى التدفقات النقدية خلال عمرها الزمني. بعبارة أخرى، لقد تأسست أكثر من نصف الشركات المدرجة حاليا في السوق المالية بطريقة تسديد رأس المال على أقساط دون معوقات أو مخاطر حيث بدأت هذه الشركات نشاطاتها التجارية برأسمال مدفوع يقل عن رأس المال المصرح به إلى أن تم تسديد كامل رأس المال من قبل المساهمين (وبالتالي تساوى رأس المال المدفوع مع رأس المال المصرح به), ما يعني التوظيف الأمثل للتدفقات النقدية في نشاطاتها الرئيسية ضمن جدول زمني مدروس.

والآن .. ألسنا في حاجة ماسة إلى العودة إلى هذه الطريقة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي