الأجور وحدها الأدنى (2 من 2)
قلت في المقالة السابقة إن المملكة تعاني اختلالا خطيرا في هيكل الأجور أدى إلى عجز وزارة العمل عن سعودة وظائف القطاع الخاص على الأقل حسب خططها وطموحاتها, فالسعودي لا يمكن أن يعمل في أي وظيفة بأجر لا يوفر الحد الأدني من متطلباته المعيشية بينما العامل الأجنبي يستطيع أن يعمل بأجر يقل بكثير عنه, وذلك يرجع إلى أسباب كثيرة ليس هذا مجال ذكرها الآن, ولكن المهم كيف يمكن أن تعالج الجهات المختصة هذا الوضع الخطير لكي تمهد الطريق للسعوديين والسعوديات للعمل خصوصا أن أعدادهم تتزايد كل عام؟
اقترحت على الوزارة أن تضع حدا أدنى للأجور للسعوديين فقط, وإن لم تستطع فليكن لكل مهنة على حدة, على أساس أن تبدأ بالمهن التي يمكن أن يعمل فيها السعوديون وبشكل تدريجي وحسب خطة عشرية, لأن مثل هذا الإجراء له مزايا متعددة, أهمها عدم إعاقة حركة النمو الكبيرة التي تشهدها المملكة اليوم وامتصاص صدمة التضخم الكبير الذي سينتج عن سعودة المهن التي يعمل فيها غير السعوديين اليوم, ولا سيما في سوق الخدمات, وهو على كل حال الخيار الوحيد المطروح أمام الوزارة الذي يمكن تنفيذه وترتفع نسبة نجاحه إذا ما ترافق مع رقابة قوية.
ولعلي هنا أضرب مثالا على هذا المقترح لكي يصل بشكل واضح للسادة القراء والمسؤولين في وزارة العمل, فلتبدأ الوزارة بوضع حد أدنى للأجور في الوظائف الإدارية والتعليمية يشمل جميع العاملين في هذه الوظائف سعوديين وغير سعوديين, ومن ثم وظائف المبيعات, وهكذا حسب خطة مدروسة تعتمد في الأساس على وجود الأعداد الكافية من السعوديين لتغطية حاجة القطاع الخاص, عندها سيجد القطاع الخاص نفسه مجبرا على توظيف السعوديين لأن ذلك سيحقق له وفرا ماليا يتمثل في مصروفات السفر والإقامات والتأشيرات والتعقيب وغيرها, ولكن الوزارة لا تستطيع على سبيل المثال أن تضع حدا أدنى للأجور في مهن مثل السباكة أو البناء فهذا سينتج عنه استفادة العاملين غير السعوديين في وقت لا يوجد فيه سعوديون يقبلون العمل في هذه الوظائف في هذه المرحلة بالذات, من هنا لا معنى لتشديد الاستقدام لهذه الوظائف, ولا سيما أن البلد في حاجة ماسة إلى خدماتهم.
أغلب العاملين غير السعوديين هم من عمالة المنازل وعمالة قطاع الخدمات مثل المطاعم والمغاسل والورش وعمال البناء وغيرهم, أما القطاع الصناعي فلا يستوعب حسب الإحصاءات سوى أعداد محدودة منهم عكس ما يتوقع الكثير, هذه النتيجة تدل أيضا أن التشديد على استقدام العمالة للقطاع الصناعي لا يفيد كثيرا في السعودة لكنه يضر اقتصاد المملكة الذي ينتظر أن تستقبل مليارات الريالات في مشاريع صناعية.
لا بد من خريطة طريق تنير طريق السعودة, أما القرارات العشوائية مثل قرار سعودة محال الخضار والذهب فإنها تستنزف جهود الوزارة ولا تعطي نتائج ملموسة.
الكثير منا يعلم واقع سوق العمل السعودية وبالذات ما يتعلق ببعض المهن والوظائف التي يعمل من خلالها مئات الآلاف من غير السعوديين بطرق غير نظامية (التستر) ولكن القول بذلك أمر لا يفيد إذا لم ينظر للعوامل التي تسببت في ظهور هذا الواقع وبقائه, فكيف يمكن ضبط حسابات محل حلاقة يعمل لمدة 20 ساعة في اليوم ولا يزيد دخله الصافي على ثلاثة آلاف ريال؟ هل هناك طريقة ما؟ إلا إذا كانت الوزارة ترغب في رفع الأسعار أربعة أضعاف الأسعار الحالية ليوظف صاحب المحل سعوديا لقبض إيراداته وكذلك الحال في المطاعم والمغاسل والبقالات والورش المتعددة وغيرها, لذا فالسؤال: لماذا لا يشرع هذا العمل إذن وليكن أحد موارد ميزانية الدولة؟ إلى هنا سأقف وربما يكون لي عودة.