رزق "الهبل" على المجانين
أتذكر قبل سنوات طويلة أن الصحافة المحلية عقدت ندوات حول الطرق التي يمكن من خلالها مواجهة الغزو الثقافي المتمثل في القنوات الفضائية التي كانت على الأبواب وقتذاك، وقيل فيها ما قيل عن ضرورة تحصين جيل الشباب وتوصيات أخرى أثبتت الأيام أنها حبر على ورق، فاليوم تقول بعض الإحصاءات إن هناك 400 قناة فضائية السواد الأعظم منها لا فائدة ولا هدف منه سوى جمع المال فقط، ولو كان ذلك بطرق غير أخلاقية وربما غير شرعية مثل قنوات السحر والشعوذة والزواج والتعارف وغيرها من الوسائل.
كنت أعتقد أن الغزو الثقافي سيأتي من الخارج وإذا به يأتي من أبناء جلدتنا ممن يتكلمون باللسان ذاته الذي نتكلم به وهذا ما لم أتوقعه لكنه يبعث على الأسى.
في دبي التي تحتضن مدينتها الإعلامية عددا كبيرا من هذه القنوات تنظم هذه الأيام حملة توعوية للتنبيه من مخاطر بعض القنوات الهابطة وغير الشرعية التي ذكرتها سابقا، وحسب تصريح لمدير شرطتها فقد حققت قناة واحدة نحو (25) مليون درهم خلال شهر واحد فقط قيمة الرسائل والمكالمات التي تأتيها من جماهيرنا العربية، كما أن فتاة إماراتية وصلت قيمة فاتورة هاتفها إلى (90) ألف درهم بسبب إدمانها إرسال الرسائل والاتصال على تلك القنوات، كيف لا تحقق هذه المبالغ في ظل وجود قنوات المسابقات مثل شاعر المليون وشاعر العرب وستار أكاديمي الذي حصد من الأصوات التي دعمت المتسابقة العراقية شذى حسون فقط في الحفل الأخير نحو (37) مليون رسالة إن لم تخني الذاكرة وعليكم حساب ما حققته القناة إذا علمنا أن قيمة الرسالة دولار على أقل تقدير.
في الحقيقة هذه الأرقام مذهلة وتبعث على الحزن، فكيف نفسر وجود فقراء لدينا وفي جميع المجتمعات الخليجية وقناة هابطة تحقق ما يكفيهم ذل السؤال والحاجة؟ ربما أن هذا الواقع المر دليل خلل في المجتمعات الخليجية بالذات، وتفشي الطبقية فيها رغم كونها تعتبر من المجتمعات الغنية في نظر كثير من شعوب العالم، وأضف كذلك الثقافة السائدة لدى شريحة من المشاهدين.
ومع أن كل المجتمعات العربية تهتم وتتجاوب إلى حد ما مع هذه القنوات إلا أنها تختلف في اهتماماتها فنحن في المملكة توجه لنا قنوات الزواج والتعارف وكل ما يثير النعرات القبلية، في حين أن بعض المجتمعات الأخرى توجه إليها قنوات السحر والشعوذة وهكذا.
بعض تلك القنوات يقال والعهدة على الراوي إنها لا تكلف أصحابها سوى مليون دولار إلا أنها تحصد الملايين شهريا من جيوب أبنائنا وشريحة مهمة من أفراد مجتمعنا وهنا أقول ألا يمكن مواجهتها ؟ وكيف؟
وما دام الحديث عن الاستغلال لا ننسى خدمة الـ (700)، التي أصبحت مطية لكل من هب ودب لجمع المال، حتى المستشفيات استثمرت بها والأندية الرياضية كذلك وغيرها كثير وهنا أشيد بما رسمه الفنان المبدع عبد السلام الهليل في صحيفة "الرياض" خلال الأيام الماضية من لوحات كاريكاتورية تتهكم على الأساليب التي تستخدمها تلك الجهات لتضليل المتصلين واستنزاف جيوبهم.
إلى متى يا ترى سنكون مصدر ثراء لكل من هب ودب؟ وهل سيأتي يوم نترفع فيه عن مستوى هذه القنوات؟ فأنا والله أخجل عندما أدير التلفزيون على أية قناة من هذه الشاكلة وأرى أبناء بلدي يتصدرون فيها بالرسائل والمكالمات قياسا بباقي الدول الأخرى، وقد يقول قائل هذه حرية شخصية، عندئذ سأقول إن هذه الممارسات تشوه سمعة جميع السعوديين الرافضين لها عند المتلقين في أرجاء المعمورة كافة.