حوار قانوني مع المستشار زهير الحربش حول "أوبك"
سعدت أيما سعادة بقراءة مقال الزميل المستشار القانوني زهير بن سليمان الحربش، المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 22/2/1428هـ الموافق 12/3/2007، بعنوان (زيادة عضوية أوبك: حوار مع المستشار خالد عثمان) الذي أبدى فيه بعض الملاحظات حول ما جاء في مقالي المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 4/2/1428هـ الموافق 22/2/2007، بعنوان (الوكالة الدولية للطاقة وزيادة عضوية أوبك).
وعندما انتهيت من قراءة مقال الزميل العزيز وجدت نفسي أقول (إن هذا الشبل من ذاك الأسد). فالأستاذ سليمان بن جاسر الحربش والد الزميل العزيز، من ألمع الخبراء السعوديين في مجال اقتصاديات النفط والغاز مثل السعودية ردحا من الزمن في مجلس محافظي "أوبك" ويتبوأ الآن منصب مدير عام صندوق "أوبك" للتنمية الدولية، وبدأت علاقتي به، كما أشار الزميل العزيز، من زمالة العمل في وزارة البترول والثروة المعدنية التي حظيت بشرف العمل فيها سنين عددا، وسرعان ما تطورت هذه الزمالة إلى صداقة جميلة وراسخة أعتز بها أيما اعتزاز. والواقع أن الصديق سليمان الحربش هو قيمة إنسانية زاخرة بالمعاني النبيلة والمضيئة، ونموذج للأجيال الباحثة عن قدوة في العصامية والجدية والإخلاص وإتقان العمل. ولا يتسع المجال هنا للحديث عنه باستفاضة وربما تتاح لي في المستقبل الفرصة للكتابة عن أبرز صفات وشمائل هذه الشخصية الكريمة. وأعود إلى موضوع هذا المقال وهو محاورة الزميل المستشار القانوني زهير الحربش حول المسائل التي أثارها في مقاله، فأقول ما يلي:
أولا: أشير في البداية إلى أن الزميل العزيز أنزلني، بالنسبة إليه، منزلة الأستاذ وهذا تواضع منه ينم عن أدب جم وأشكره أجمل الشكر على هذا التكريم الذي ترك في نفسي أعمق الأثر، ولا أتجاوز الحق إذا قلت إن الزميل يمثل نموذجا ممتازا للشباب القانونيين المجتهدين والجادين.
ثانيا: أشار الزميل العزيز إلى أن مقالتي تحدثت عن انضمام أنجولا إلى منظمة "أوبك" وكأن الأمر ما زال في طور الدراسة بينما أنجولا قد انضمت إلى المنظمة بموجب قرار مؤتمرها الاستثنائي الذي انعقد في أبوجا، عاصمة نيجيريا، في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي. والواقع أن السبب في حدوث هذه (الهفوة) يرجع، كما توقع الزميل العزيز، إلى أن المقال كتبته قبل انعقاد مؤتمر "أوبك" في أبوجا، بل وأرسلته إلى جريدة "الاقتصادية" للنشر قبل انعقاد المؤتمر المذكور بعدة أيام. ولكن الجريدة لم تنشره إلا بعد مرور أكثر من شهرين على انعقاد المؤتمر المذكور. وأجدها فرصة مناسبة هنا لأبدي عتبا على "الاقتصادية" التي أوثرها بمقالاتي على غيرها من الصحف، إذ أخذت في الآونة الأخيرة تجنح إلى التأخير في نشر بعض مقالاتي، حتى أصبح بعضها غير قابل للنشر بسبب تجاوز الأحداث موضوعات تلك المقالات، وإذا كنت أعتب على "الاقتصادية" فإن هذا لا يعني (اللوم) لأنني أقدر أن لدى الجريدة (زحاما) من المقالات، تتدافع للفوز بأسبقية النشر. لكنني أرجو ألا تتأخر الجريدة في نشر هذا المقال.
ثالثا: أضاف الزميل العزيز معلومة مهمة تتعلق بالآثار الناجمة عن انضمام دول نامية إلى (أوبك) وهي حرمانها من الاستفادة من نشاط صندوق "أوبك" للتنمية الدولية لأن المادة الثالثة من النظام الأساسي للصندوق تنص على أن نشاط الصندوق مقصور على الدول النامية خلاف الدول الأعضاء في "أوبك". لكن الزميل العزيز لم يوضح هل الحرمان من نشاط الصندوق سيكون بأثر رجعي أم بأثر فوري؟! فمثلا هل سيترتب على انضمام أنجولا إلى "أوبك" اعتبار العقود المبرمة بينها وبين صندوق "أوبك" – إن وجدت – لاغية بمجرد انضمام أنجولا أم أن هذه العقود تظل سارية المفعول وواجبة النفاذ مع مراعاة عدم إبرام عقود جديدة؟ أتمنى من الزميل العزيز أن يبحث في هذه المسألة في إطار العلاقة القانونية بين المنظمة والصندوق، في مقال مستقل خصوصا أن المنظمة قد توافق في المستقبل على انضمام دول نامية أخرى إلى عضويتها.
رابعا: أشرت في مقالي إلى أن الإكوادور انضمت إلى "أوبك" سنة 1975م، ثم انسحبت منها سنة 1992، وأن الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز قام بدور مؤثر في إقناع هذه الدولة بأن تبدي رغبتها في العودة إلى عضوية "أوبك". وعلق الزميل العزيز على ذلك بأن الإكوادور وإن كانت من الناحية الفعلية تعد خارج "أوبك" إلا أنها من الناحية القانونية لا تعد منسحبة تماما والسبب أن قرار خروج الإكوادور من "أوبك" لم يتم بناء على المادة (8) من دستور "أوبك" التي تنص على حق الدولة في الانسحاب شريطة أن تكون قد وفت بكافة التزاماتها المالية للمنظمة. والإكوادور عندما أرادت الخروج كانت مدينة للمنظمة بمبلغ لا يزال معلقا مرده أنها لم تسدد ما عليها من التزامات من حصتها في ميزانية المنظمة بشكل تراكمي، ولذلك قرر مؤتمر "أوبك" عام 1992 تعليق عضويتها واستعملت عبارة تعليق العضوية Suspension رغم أنها لا وجود لها في الدستور.
وخلص الزميل الكريم من ذلك إلى القول إن الإكوادور تستطيع متى شاءت إذا وفت بالتزاماتها للمنظمة أن تعود إلى مكانها دون الحاجة إلى المرور عبر المادة (7) الخاصة بالعضوية الجديدة.
وهنا لنا وقفة للتعليق حول هذه المسألة فنقول إنه وإن كان رأي المستشار زهير الحربش لا يخلو من وجاهة إلا أنه توجد وجهة نظر أخرى مخالفة نوجزها على النحو التالي:
1- المستقر عليه في فقه القانون الدولي العام أن وقف أو تعليق العضوية هو إجراء عقابي تتخذه المنظمة الدولية ضد دولة عضو منتهكة لأحكام ميثاق المنظمة ويهدف إلى منعها من التمتع بحقوق ومزايا العضوية لفترة مؤقتة إلى أن تحترم الدولة العضو التزاماتها المالية وغير المالية المنصوص عليها في ميثاق المنظمة. وهذا المفهوم لوقف العضوية لا ينطبق على حالة الإكوادور لأن قرار "أوبك" بتعليق عضوية الإكوادور لم يهدف إلى حرمانها من التمتع بمزايا وحقوق العضوية حتى توفي بالتزاماتها المالية وإنما كان يهدف إلى منعها من الانسحاب من المنظمة حتى توفي بتلك الالتزامات.
2- يضاف إلى ما تقدم أن قرار "أوبك" بتعليق عضوية الإكوادور بسبب عدم وفائها بالتزاماتها المالية ليس له سند قانوني صحيح لأن دستور المنظمة لم ينص على جواز وقف أو تعليق العضوية.
3- أن الانسحاب من المنظمة الدولية هو إجراء تأخذه الدولة بإرادتها المنفردة، والإكوادور أعلنت انسحابها من المنظمة، وإذا كانت هذه الدولة لم تسدد حتى الآن التزاماتها المالية للمنظمة فإن ذلك لا يمنع من اعتبارها منسحبة من المنظمة وتظل هذه الدولة مسؤولة مسؤولية دولية عن سداد تلك الالتزامات.
ومهما يكن من أمر، علينا أن ننتظر كيف ستعالج منظمة أوبك مسألة عودة الإكوادور إلى عضويتها إذا قدمت طلبا رسميا في هذا الخصوص، هل ستطبق في هذا الشأن الشروط المنصوص عليها في المادة (7) من الدستور والمتعلقة بقبول الأعضاء الجدد؟ أم تكتفي بإنهاء وقف العضوية؟
خامسا: أشرت في مقالي إلى أن إندونيسيا امتنعت عن الموافقة على قرار مؤتمر المنظمة بشأن تخفيض الإنتاج والمتخذ في اجتماع الدوحة في 19/10/2006 بذريعة أن إنتاجها النفطي أقل من حصتها المحددة ضمن نظام "أوبك" للحصص الإنتاجية وأبدى الزميل العزيز ملاحظتين حول هذا الشأن، الأولى أن قرار التخفيض المذكور قد اتخذ على أساس الإنتاج الفعلي وليس الحصص المكونة للسقف. والثانية أن إندونيسيا رغم تمسكها بمنظمة "أوبك" والتزامها التام بمبادئ المنظمة إلا أن طاقتها الإنتاجية في تدن مستمر ولذلك فإن مشاركتها في التخفيض أو الزيادة أمر لا يقدم ولا يؤخر. والواقع أنني لم أناقش في مقالي مدى صحة ذرائع الموقف الإندونيسي وأثره وإنما أشرت إليه كما أوردته وسائل الإعلام كمثل على أن أي دولة عضو تستطيع الامتناع عن الموافقة على أي قرار بخصوص الحصص الإنتاجية لا يتناسب مع مصالحها الذاتية لأن قرارات "أوبك" تصدر بالإجماع في غير الأمور الإجرائية.
سادسا: في مجال الفوائد التي سيجنيها الأعضاء الجدد أشرت إلى أنه يمكن لهؤلاء الأعضاء الاستفادة من جهود المنظمة في حماية مصالح الدول الأعضاء في مواجهة شركات النفطية العالمية وأن المادة الرابعة من دستور المنظمة أكدت على تضامن الدول الأعضاء في مواجهة هذه الشركات. وأبدى الزميل العزيز تعليقا على ذلك بأن هذه المادة وضعت عند إنشاء "أوبك" عندما كان الصراع محتدما بين الحكومات المنتجة والمصدرة للبترول وبين الشركات العالمية على تفسير عقود الامتياز التقليدية ومحاولات الدول الأعضاء التفاوض مع الشركات على تعديل الشروط المالية. وأن هذه المادة فقدت هيبتها وليس قيمتها بعد استكمال الدول النفطية سيطرتها على مواردها الطبيعية منذ منتصف السبعينيات فضلا عن أن العقود مع الشركات لم تعد عقود امتياز بل تطورت إلى عقود لا تخل بسيادة الدولة ولا تتعارض مع حقها في تسيير مواردها الطبيعية على النحو الذي تراه.
ولا أختلف مع الزميل حول الأسباب التاريخية لنص المادة الرابعة من دستور "أوبك"، ولكن هذه المادة، كما يقر الزميل العزيز، لم تفقد قيمتها وتظل قابلة للتطبيق خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار عودة شركات النفط العالمية إلى بعض دول "أوبك" للاستثمار في مجال التنقيب وتوسيع الطاقة الإنتاجية، كما أن (البرنامج الدولي للطاقة) الذي نصت عليه اتفاقية إنشاء الوكالة الدولية للطاقة قد تضمن التشاور والتنسيق والتعاون بين الوكالة والشركات النفطية وقد يترتب على ذلك تضارب وتنازع في المصالح والالتزامات. ومن ثم قد تجد "أوبك" نفسها مضطرة إلى تفعيل المادة الرابعة لمواجهة أي مستجدات تستوجب تعضيد موقف بعض الدول الأعضاء حيال أي شركة من شركات النفط العالمية التي تخل بالتزاماتها التعاقدية تجاه الدولة العضو المعنية.
أخيرا أرجو أن يكون القارئ الكريم قد استفاد من هذا الحوار.
محام ومستشار قانوني – جدة
فاكس 6557888