الغش التجاري يدق ناقوس الخطر
الحديث عن قضايا ووقائع الغش التجاري بات من الأحاديث الدارجة, فكثرة عمليات ضبط بضائع وسلع مغشوشة ومقلدة برداءة كما تنشره الصحف يوميا تقريبا, تشير إلى أن هذه السوق السوداء باتت رائجة, وأن بلادنا باتت من الدول التي يروج فيها هذا الغش التجاري بكثافة تقريبا. وأوجه الغش متعددة, إلا أن أخطرها وأفدحها هو الغش في الأطعمة والمأكولات, ومنها ما كشف قبل أسبوعين في مدينة جدة بضبط 100 ألف كيلو من الكبدة الفاسدة في إحدى الثلاجات الكبيرة, وقبلها بشهر ضبط شحنة كبيرة من اللحوم الفاسدة في مدينة الرياض, والمرجح أنها من بقايا لحوم الأضاحي المذبوحة في المشاعر المقدسة في موسم الحج الماضي. ولكم تصور مدى الكارثة الصحية التي كانت ستحدث لو أن هذه الأطعمة الفاسدة أمكن تسويقها! ولكن لطف الله أولا ثم أمانة ونزاهة من ضبطها, الذي لا أشك في أنه تعرض لإغراءات مالية بل لتهديد لإخفاء أمرها, هما من حميانا من تعرض آلاف الناس لحالات تسمم لا شك فيه. فهذه المأكولات الفاسدة كانت تعد لتسويقها على المطاعم بالذات لتقديمها وجبات لبشر وليس لقطط.
القضية الأهم في حالات الغش التجاري هي في كيفية مواجهتها, ومن المؤسف القول إن مواجهتها لا تتم بالإجراءات العقابية الصارمة, ففي حادثة الكبدة الفاسدة اكتفي بتغريم الفاعل 40 ألف ريال وكأن ما حدث مجرد مخالفة تجارية عادية وليس إقداما على ارتكاب جريمة صحية كاملة الأركان. وما يزيد الأسف أن الجهة المسؤولة, وهي وزارة التجارة, امتنعت عن التشهير بالفاعلين بحجة حسن النية, وأين حسن النية فيمن أمسك بجرم مشهود لا حسن نية فيه؟ قد يقال, والله أعلم, إن افتراض حسن النية هو في عدم القبض على مرتكب هذا الجرم وهو يسوق هذه الكبدة الفاسدة, وهذه ليست حجة في التهاون وتخفيف العقوبة بمثل هذا المبلغ التافه الذي ليس فيه ردع حازم, فالواجب أمام مثل هذه الحالة هو إقفال الثلاجة نهائيا وسحب تصريحها والتشهير بالمالك ومشغلها حتى يكونا عبرة لغيرهما.
القضية الأخرى والأهم في قضايا الغش التجاري هو أن القاسم المشترك في ارتكابها هم العمالة الوافدة, فليس خافيا أن كثيرا من هذه العمالة بدأت تمارس التجارة الخفية لحسابها الخاص عن طريق تهاون بعض المواطنين في تأجير تصاريحهم لهذه الفئة من العمالة الوافدة, ومن المعلوم والمعروف أن كثيرا منها تمارس الغش الفاضح وهدفها هو الكسب السريع والمجزي, فهي لا تهمها مصلحة وطنية بقدر ما يهمها تحقيق أرباح كبيرة عن طريق تسويق بضائع وسلع مغشوشة بما فيها الأطعمة, وهو الأخطر علينا, وهو ما يوجب بالفعل على الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة التجارة والأمانات والبلديات تشديد إجراءاتها لمتابعة تجارة العمالة الوافدة, وهو ما يستتبع على وزارة العمل أن تعيد النظر في وضع كثير من هذه العمالة التي تعمل لحسابها الخاص في سوقنا تحت غطاء تصريح أو إقامة مواطن متهاون أو متواطئ معها من أجل الكسب على مصلحة البلد.
إن وضع العمالة الأجنبية بهذه الكثافة التي نجدها عليه في بلدنا يتطلب إعادة النظر في وجودها وبقائها في البلاد, فقد ثبت أن كثيرا منها عمالة زائدة لا حاجة لنا إليها, ولأنها تركت هائمة إما هروبا من الكفلاء وإما تسترا عليها فهي تعمل في أي شيء وأكثرها ربحا وكسبا هو التجارة, ولكونها تبحث عن الكسب السريع تجنح إلى الغش التجاري, وفي ظل غياب المتابعة والقوانين الصارمة دخلت في العمل التجاري إلى حد احتكار أجزاء من السوق, كما أوضحت في مقالي الأسبوع الماضي.
إن قضية الغش التجاري في بلدنا من القضايا المهمة التي توجب المعالجة الحاسمة ابتداء من محاصرة العمالة الوافدة والتضييق عليها بحيث لا تترك حرة تعبث بسوقنا, وانتهاء بمحاسبة شديدة لكل مواطن يثبت تأجيره تصريح محله لها. مما سمعته أن الثلاجة التي ضبطت فيها تلك الكبدة الفاسدة كانت مؤجرة لوافدين, ولو تتبعنا كل حالات الغش لوجدنا خلفها عمالة وافدة, وهو ما يؤكد أن وجود كثير منها في بلادنا ضرره أكثر من نفعه. وهذا واضح في كثرة وجودها في أعمال لا علاقة لها بأسباب استقدامها. ويشهد على ذلك سيطرتهم على قطاع كبير من الأسواق, خاصة ما يعرف منها بالشعبية وامتلاكهم معامل في منازلهم لتعليب وغش البضائع والسلع, بل إن بعضهم أصبح يدور على المحلات لشراء ما انتهت صلاحيته لإعادة تزييف المدة وعرضها بأسعار رخيصة, كما يحدث عند المساجد بعد صلاة الجمعة.
الشاهد من ذلك كله أن الغش التجاري بات ملاحظا والشكوى منه كثيرة ولكن حين يصل الأمر إلى الأطعمة والمأكولات فنحن أمام حالة خطر توجب التحرك الجاد بعيدا عن قانون حسن النية. فالغش ليس من الحالات التي فيها وجهات نظر, بل جرم كامل لا بد أن تطبق فيه العقوبات الصارمة والرادعة حتى لا نكون ضحية لضعاف نفوس وعمالة وافدة اعتقدت أن بلدنا سداح مداح لكل من يريد تحقيق المكاسب المادية الكبيرة من دون تبعات أو عقوبات.