غياب المنافسة عامل محفز لتدني مستوى الخدمات

[email protected]

تأثرت كثيرا بما ورد من طرح وأفكار جريئة في مقال للكاتب الدكتور عبدالله بن مرعي بن محفوظ بعنوان " فض الاشتباك في قضية (القروض) ما بين المواطن والبنوك"، الذي نشر في "الاقتصادية" في العدد 4839، والذي شخص من خلاله الكاتب، بمنطق وواقع تحليلي جيد، قضية إسهاب البنوك المحلية في منح القروض الشخصية للعملاء خلال الفترة الماضية، وكيف أن ذلك الإسهاب، أسهم وتسبب في إيجاد وترك آثار اقتصادية ومالية واجتماعية سلبية للغاية على الأسر السعودية، التي أصبحت وللأسف الشديد رهينة لسداد أقساط تلك القروض، التي تجاوزت قيمتها الـ 185 مليارا بنهاية عام 2006، أو ما يعادل نسبته أكثر من 40 في المائة من إجمالي قيمة محفظة القروض المصرفية، التي تمنحها البنوك لإجمالي العملاء (الأفراد والشركات).
هذا الإسهاب في منح القروض الشخصية للمواطنين من قبل البنوك المحلية، التي وللأسف الشديد أيضاً، تم توجيه جزء كبير منها للمضاربة العشوائية غير المدروسة في سوق الأسهم السعودية، ضاعف من حجم المشكلة، وزاد وكما يقولون من الطين بلة، وبالذات حينما تعرض السوق لهبوط حاد في قيمته ببداية الأسبوع الأخير من شهر شباط (فبراير) 2006، ما تسبب وكما أشار الكاتب المذكور في مقاله، في زيادة عدد القضايا الحقوقية في الجهات ذات العلاقة مثل: إمارات المناطق، المحاكم، والحقوق المدنية، ووزارة التجارة والصناعة.
في رأيي أن الاشتباك بين المواطن والبنوك ربما يتعدى بكثير مشكلة إسهاب البنوك في منح القروض الشخصية للأفراد، لتطول العديد من القضايا المرتبطة بمستوى الخدمات المصرفية، التي تقدمها البنوك للعملاء، ولاسيما أن هناك عددا كبيرا جداً من عملاء البنوك، يرون أن البنوك المحلية مقصرة رغم ما تبذله من جهود حثيثة، في سبيل الارتقاء بمستوى الخدمات وتعدد المنتجات، إلا أن مستوى تلك الخدمات والمنتجات لايزال يحبو ولم يرق للتطلعات والطموحات، حيث إن المنتجات والخدمات لا تزالان تعانيان العديد من أوجه القصور، التي لعل من بين أهمها وأبرزها المحدودية وعدم التنوع، وليس ذلك فحسب، بل إن البنوك المحلية متهمة بأنها لاتزال تقدم منتجات وخدمات مصرفية تقليدية أكل عليها الدهر وشرب، لا تحاكي ولا تلبي حاجات العميل ومستجدات العصر، مثل التوسع في منح قروض الإسكان، وقروض لدعم التوسع الحاصل في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبالذات المشاريع الصغيرة أو المبتدئة Startup.
إخفاق البنوك المحلية في ابتكار حلول مصرفية جديدة ملائمة ومناسبة، لسد حاجات العميل المصرفية الجديدة، مثل وكما أسلفت قروض الإسكان، حدا بعدد كبير من شركات التقسيط والتمويل العقاري، التوسع على حساب البنوك في ذلك النوع من الإقراض، لمواجهة الطلب المتنامي والحاجة لبناء مساكن جديدة من قبل المواطنين، محققة بذلك رغبات وحاجات المواطن من جهة، ومحققة عوائد وأرباحا مجزية من جهة أخرى.
البنوك المحلية لم تخفق فقط في عدم التوسع في ابتكار منتجات وحلول مصرفية لخدمة العملاء من الأفراد، ولكن أيضاً أخفقت في ابتكار حلول مصرفية، لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبالذات قطاع الشركات حديثة الإنشاء أو التكوين، ومثل هذا الإخفاق تسبب في إعاقة نمو ذلك النوع من الشركات، وحد من قدرتها على المساهمة الفاعلة في إيجاد وظائف جديدة في الاقتصاد.
وإن كان ليس من باب الدفاع عن البنوك المحلية في إخفاقها، المرتبط بعدم التوسع في منح قروض الإسكان، حيث إن، برأيي ذلك الإخفاق، كان سببه ومرده تأخر صدور التشريعات والقوانين المرتبطة بتطوير الرهن العقاري وآلية عمله، وإن كان البعض لا يتفق معي في ذلك، ولاسيما أن شركات التقسيط تواجه المشكلة نفسها، ولكن وعلى الرغم من ذلك استطاعت أن تتجاوزها وأن تتعامل معها، وبالتالي أن تتوسع في الإقراض العقاري.
على أية حال لو افترضنا جدلاً أن مستوى الخدمات المصرفية، التي تقدمها البنوك المحلية لعملائها دون مستوى المطلوب، وأنها لا تلبي التطلعات والطموحات، فبرأيي أن هذا هو الوضع العام السائد في بلادنا، حيث إن مستوى الخدمات بشكل عام، التي يقدمها القطاع العام والقطاع الخاص للعملاء، لا يرقى هوي الأخر لتطلعات العملاء وطموحاتهم، وفي رأيي أيضاً أنه وعلى الرغم من تدني مستوى الخدمات، التي تقدمها البنوك للعملاء، فهي تظل الأفضل على وجه العموم، وبالذات في ظل غياب منافسة قوية وضعف وسائل وأدوات حماية المستهلك، وبالتالي فإن الأمر سيظل كذلك، قاصداً بذلك سيظل المواطن لأجل طويل يعاني من تدني مستوى الخدمات، وسوء تقديمها.
وفي رأيي أن تدني مستوى الخدمات في بلادنا، يعزى سببه في المقام الأول لغياب عنصر أو عامل المنافسة، ولكنه أيضاً يعزى لضعف وسائل الرقابة العامة وغياب حماية المستهلك، الأمر الذي أكد عليه الكاتب الدكتور عبد العزيز الغدير في مقال بعنوان "لكي نعيد للعملاء كرامتهم" نشر في "الاقتصادية"، في العدد 4839. إن القطاع الخاص لدينا لم يتجاوز مرحلة إهانة العميل، حيث لايزال معظم القائمين والعاملين في مؤسسات القطاع الخاص، أياً كان مستواها ينظرون للعميل على أنه ضحية، يجب استغلالها قدر الإمكان وتحقيق أعلى العائدات المالية من جيوبها بأدنى جودة وأسوأ معاملة، ما دام أن هذا العميل لا حول ولا قوة له، بالذات في ظل ضعف أجهزة حماية المستهلك التي تقدم الأعذار أكثر من الأفعال، وضعف قوة المنافسة الناتجة عن الروح الحمائية التي تنعم بها بعض المؤسسات المحتكرة وشبه المحتكرة لبعض السلع والخدمات، ما جعلها لا تخشى منافسا يدفعها نحو إسعاد العميل أو حتى إرضائه، وجذبه بتقديم الخدمات والمنتجات بأعلى جودة وبأقل الأسعار الممكنة، وبالله التوفيق.

مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي