منظمات حقوق الإنسان.. هل تحمي حقوق المجتمع؟!!
إن احترام الإنسان والحفاظ على حقوقه من أهم الأعمال النبيلة التي يعشق كل إنسان صالح العمل فيها ومعها، لأن احترام الإنسان وصيانة حقوقه تعتبر الدرجة الأعلى في بناء الإنسان والاهتمام به وضمان انتمائه لمجتمعه وعطائه اللا محدود، ولا يمكن لنا أن نتخيل الخير في الإنسان الذي لا تحترم حقوقه ولا يعيش الانتماء لذاته ومجتمعه ووطنه.
لقد كفل الدين الإسلامي هذه الحقوق وأكد عليها في كل صغيرة وكبيرة ووضع من التشريعات والأنظمة ما يكفل حفظ حقوق الناس، الدينية والنفسية والاجتماعية والوظيفية والمالية والأعراض وحدد ذلك ضمن الضروريات الخمس التي يجب حمايتها وصيانتها وعدم الاعتداء عليها بأية وسيلة من الوسائل غير الشرعية.
كما أن جميع الأديان السماوية والأنظمة الوضعية لم تغفل ذلك الحق ولقد أكد ذلك أيضاً في مختلف الأنظمة والتشريعات التي تؤكد احترام حقوق الإنسان، حتى أن بعض الأنظمة والتشريعات لم تربط بين العلاقة الدينية للشخص والآخر وإنما جعلت رابطة الحق والحفاظ على الحقوق الإنسانية هي الرابط والعلاقة بين أفراد المجتمع ومختلف الشعوب.
لقد حافظت المجتمعات البشرية خلال مسيرة حياتها على احترام حقوق الإنسان وساعدت على تطوير ذلك من خلال العديد من الأنظمة والتشريعات التي أوضحت ما له وما عليه، إلا أن ما يلفت النظر اليوم هو استغلال بعض منظمات حقوق الإنسان ذلك الحق للضغط على بعض الدول لتعديل أنظمتها وتشريعاتها بما يتفق مع مفهوم تلك المنظمات لحقوق الإنسان دون الاستيعاب المطلوب لظروف كل مجتمع وعاداته وتقاليده، إضافة إلى أن بعض الحدود والعقوبات التي تضمنتها التشريعات السماوية أصبحت تحت مثل تلك الضغوط.
لقد أصبح الخوف من هيمنة بعض منظمات حقوق الإنسان وتدخلها بشكل مباشر في أنظمة وتشريعات الدول وما يسببه ذلك التدخل من إضاعة لحقوق المجتمع، هذه الحقوق التي يتم وتحت ضغط بعض منظمات حقوق الإنسان تعطيلها أو إضعافها أو تعديلها بما يضمن حق المجرم مهما كان جرمه على حساب حق المجتمع وحمايته.
إن تدخل منظمات حقوق الإنسان في أنظمة وتشريعات وقوانين بعض الدول مثل المحاولة لتعطيل أحكام القتل أو قطع اليد أو الجلد أو الرجم أو ما يدخل ضمن أحكام التعزير التي تحافظ على حقوق المجتمع وتحميه من الفردية والأنانية لبعض المجرمين الذين يجدون في بعض منظمات حقوق الإنسان الفرصة لحمايتهم وتأخير مخالفاتهم بما يتفق مع توجهات هذه المنظمات، هذه المنظمات التي تعمل على الضغط على المؤسسات الحكومية التي تعمل وتعلم أنها أكثر دراية بحقوق المجتمع من تلك المنظمات التي تحرص على حماية حقوق الفرد مهما كان جرمه على حساب حقوق المجتمع مهما كانت أهميته وأهمية الحفاظ عليه وضمان ترابطه وتجانسه وحمايته من التجاوزات الفردية لأفراد لا يرون لأحد حق سواهم ويسعون إلى الإساءة للمجتمع بمختلف الوسائل والأدوات مستفيدين في ذلك من الفهم والممارسات الخاطئة لحقوق الإنسان وأن الإنسان منهم يستطيع أن يفعل ما يشاء ويسيء لمن يشاء من أفراد المجتمع ويعتدي على حقوق الجماعة ثم يجد من يساعده على تجاوز العقاب.
لقد أصبح مفهوم حقوق الإنسان وما تلعبه بعض منظمات حقوق الإنسان من دور سلبي عقبة أمام العديد من العاملين في الأجهزة ذات العلاقة بهذا الإنسان وحقوقه وأخذت نظرية عدم الحزم والمماطلة وعدم ردع الخارجين على حقوق المجتمع تؤثر في العديد من أعمالهم بحيث أصبحت تنحو منحى الروتين السلبي من مكاتبات ومخاطبات وضمانات وتعطيل للهدف الأسمى والأنبل من وضع أهداف وغايات منظمات حقوق الإنسان التي هدفها في الأصل القضاء على الفساد وحماية حقوق المجتمع الصالح.
إن ما نراه اليوم من عدم الحزم في إصدار وتنفذ العقوبات التي تردع المجرم وتمنع الجريمة وتُغلظ في العقاب وتحمي المجتمع من شرور بعض أفراده، سوف يؤدي - لا سمح الله - إلى انتشار الجريمة بمختلف أنواعها وطرقها وأساليبها. وسوف يصبح المجرم هو سيد الموقف، لأنه يعلم أن لا عقاب رادع له متى ما تدخلت بعض تلك الهيئات والمنظمات وجعلت التحقيق معه عبارة عن روتين ممل وطويل يكلف المجتمع الشيء الكثير ويضمن له إطلاق سراحه بسبب المحاكمة التي تأخذ العمر المديد. ولعل ما نراه حولنا اليوم من تلك الممارسات ما يؤكد القلق الذي ينتابني وينتاب من يعي خطورة مثل تلك التدخلات لبعض منظمات حقوق الإنسان، وتلك المنظمات التي تعلم أن بلدانها لا تطبق حقوق الإنسان عندما يتعرض أمنها وسلامة مواطنيها لأقل الخطر، وتعلم أن دولها وضعت السجون في الجزر والبحر والسماء وفي كل مكان دون التقيد بأقل حقوق الإنسان، والشواهد على ذلك كثيرة، والمحاكم التي تقوم على محاكمتهم لا تعترف بأيٍ من تلك المنظمات ورسالاتها أو أهدافها.
ولعلي أختم برسالتين أحدهما إلى هيئة حقوق الإنسان السعودية وهي العمل على تحقيق أهدافها بحماية حقوق الإنسان السعودي الصالح، حمايتها من التسلط أو سوء استعمال السلطة أو المحسوبية أو غيرها من الأمور التي تقتل الانتماء للوطن وتضعف العطاء نتيجة تصرف بعض المؤسسات الحكومية أو أفرادها في استعمال السلطة، ولكن لا يكون ذلك على حساب حقوق المجتمع، ويجب عليها أن تضمن سلامته من أعدائه خصوصاً أبناءه العاقين.
الرسالة الثانية لمحبي هذا البلد الحبيب وهي عدم الالتفات للضغوط التي تحاول أن تمارسها بعض منظمات حقوق الإنسان في عدم صدور أو تنفيذ الأحكام التي تحمي المجتمع من أفراده أو المندسين فيه الذين يسعون إلى إفساده والقضاء على لُحمته وانتماء أبنائه إليه ولنجعل لنا جوانتانامو إذا كان ذلك يضمن لنا الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي ويحقق لنا الرخاء التنموي الذي ننشده بعيداً عن شرور الجرائم والمخدرات والرذيلة ومن يعمل فيها أولها على أن ذلك لا يعني أبداً رفض التطوير المؤسسي لمختلف الأجهزة الحكومية التنفيذية أو الرقابية.
وقفة تأمل:
ومن تكن العلياء همَّة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محببُ
إذا أنا لم أُعطِ المكارم حقها
فلا عزني خالٌ ولا ضمني أب
خلقت عيوفاً لا أرى لابن حرة
لدي يداً أُغضي لها حين أغضب
أسير على نهجٍ يرى الناس غيره
لكل امرئٍ فيما يحاول مذهبُ.