ستر العصاة
قال بعض العلماء لمن يأمر بالمعروف: واجتهد أن تستر العصاة فإن ستر عوراتهم وأحق شيء في الإسلام فلهذا كانت إشاعة الفاحشة مقترنة بالتعيير وهما من خصال الفجار لأن الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب إنما غرضه في مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن وهتك عرضه فهو يعيد ذلك ويبديه ومقصوده تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه ومساويه للناس ليدخل عليه الضرر في الدنيا، وأما الناصح فغرضه بذلك إزالة عيب أخيه المؤمن واجتنابه له، وبذلك وصف الله تعالى رسوله فقال "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" ووصف بذلك أصحابه فقال "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" ووصف المؤمنين بالصبر والتواصي بالرحمة. وأما الحامل للفاجر على إشاعة السوء وهتكه فهو القوة والغلظة ومحبته إيذاء أخيه المؤمن وإدخال الضرر عليه وهذه صفة الشيطان الذي يزين لبني آدم الكفر والفسوق والعصيان ليصيروا بذلك من أهل النيران قال الله تعالى "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا" وقال بعد أن قص علينا قصة إبليس مع نبي الله آدم عليه السلام ومكره به حتى توصل إلى إخراجه من الجنة "ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتها" فشتان بين من قصده النصيحة والإصلاح ونفع عباد الله وتقويم حالهم والأخذ بأيديهم، وبين من قصده الفضيحة والانتقاص والتشفي ليرفع قدر نفسه ويحط من قدر أخيه ويؤذيه في نفسه ويثني من جهده وبذله بل وقد يسيء إليه بأن يتمادى في خطئه، يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: البلاء موكل بالمنطق فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها" رواه أبو النعيم والخطيب، ولما ركب ابن سيرين الدين وحبس به قال: إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا عيرت رجلا منذ أربعين سنة فقلت له يا مفلس" حفظ الله ألسنتنا من إيذاء إخواننا ورزقنا النصح والتناصح والتأدب بآداب الإسلام إنه خير مسؤول. وإلى الملتقى.