(المــرء أعلـم بشــأنه)
استرسال النقاش المسؤول والتنظير الواعي لقدرة الاقتصاد الوطني السعودي مزاحمة اقتصادات الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، متواصل بين طبقات المجتمع، وبدون تواصل من الرسميين والعالمين ببواطن الأمور وتحديات المستقبل. بعد التوقيع على الاتفاقية، شاركت المملكة في اجتماع هونج كونج، والتزمت بالوفاق الذي قبلته، والتعاهدات التي "ساوتها" مع الأعضاء السابقين في الانضمام على الشروط "الحلوة والمرة"، والتدرج لمواءمة مسلكيات خاصة قائمة، لمعطيات عامة متفق عليها دولياً ومسلمات العمل والتعامل بين الأعضاء المائة والخمسين. بعد انتهاء الفترة الزمنية المتفق عليها للتأهيل تبدأ "المكادشة" مع اقتصادات الدول الأعضاء في المنظمة. فرصة الاستفادة من الانضمام إلى المنظمة في العمل التجاري والخدمات والملكيات والاختراعات بمعطيات واضحة متساوية للدول الأعضاء في البيع والشراء بمتوسط متزاحم إجمالي للعمل في الاتجاهين لعائد إيجابي يتزايد بقدر إضافات دخول من الاتفاقيات الحرة والجماعية التي يمكن أن تعقدها ضمن الاتفاق العريض والواسع لعالم منظمة التجارة العالمية. المنظمة عبارة عن سوق للاقتصاد الجديد بفكر العولمة الأمريكي. النظم والاتفاقيات وآليات الفصل والعقاب للأعضاء كاملة متكاملة بفكر غربي ودعم أمريكي تتطاحن داخله قوى تجارية خدمية متزاحمة لاقتصادات متقدمة ومتطورة وصناعية ونامية ومتخلفة: الضعيف منها يتعايش مع القوي الأمين الذي لا يتورع أن "يقرمش" الأضعف، أو يطاحن المستقوي : الند بالند. المجال واسع للتحالفات الداخلية بين الأعضاء وتكوين تجمعات، خدمة للمصالح المشتركة والحماية المرحلية. مرحليات التعامل من داخل المنظمة تتبلور ضمن التباينات والإخفاقات والتوافقات العقائدية والحضارية والتقدمية وبمقدار الاحتواءات "الزكية". يرى أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة استراسبورغ الفرنسية المستر إيريك جو فروا "أنَّ الغرب يعامل العالم الإسلامي بمكيالين. العالم الإسلامي عليه أن يمارس النقد الذاتي ليفهم نفسه بشكل أفضل، وليعكس صورة أفضل لحقيقة نفسه".
المتابع للتنظيمات الأهلية والخاصة والرسمية السعودية من جهة، والمتطلبات والفرص والتحديات الوطنية المترتبة للانضمام من جهة أخرى، يرى النشاطات المستحدثة محلياً، من منظور فكر المنظمة محصورة في مجالات الخدمات التقليدية الموفرة نسباً مزاحمة بدائية، غير مواكبة للأنماط المعتادة، من يوم "الدنيا دنيا". التغير بهدف التحديث والتطوير لفكر الاقتصاد الجديد وتحديات العولمة محدود. الطلب لاقتنائها والمواجهة لمتطلبات الحياة العملية، في منأى عن المفهوم السائد عالمياً للمزاحمة النسبية. التعرف على الأفضل وارد بسلطان العلم التقني على أفضليات مكنوزات الخير والعطاء. كل منا يترك عناء همومه لغيره من المواطنين. التحرك العملي لزيادة الإنتاجية وتقوية نشاطات الأعمال وتوفير فرص تقوية رقي الخدمات والأبحاث والاكتشاف والاختراع، يتطلب معرفة حقيقة القدرات الموجودة طبيعياً ومجالات تطويعها وتطويرها وزيادة كفاءتها التزاحمية. الحصيلة المتوقعة مواجهة رغبات الأسواق الداخلية والخارجية، وفهم معرفيات الغير والوقوف على المزاحمة الدولية لنفس المجالات، لتوازن القوى وتقدير المطلوب لمواكبتهم والتفوق عليهم.
الحقائق والأرقام المتوافرة عن الاقتصاد الوطني نادرة ومبعثرة وينقصها الإيضاح. أبرزها إحصائياتً تقليدية وعرضها يصعـِّب التعامل معها، في التعرف على نشاطات اقتصادية توفر تزاحما دوليا مجديا لمجالات استثمار خلاف الزيت والغاز والبتروكيماويات وبأقل قدر ممكن من موارد بشرية مستوردة، وكثرة قدرات هندسية وابتكارية سعودية. احتساب الدخل القومي من الزيت الخام واضح، و"يسد خانات" كثيرة للرغبات الاستهلاكية المستوردة. النشاطات التي تدور حول صناعة الزيت، تعطي عائدا مرضيا للاستثمار دون معرفة "المبخـَّر" مقابل التقنيات والاختراعات والأبحاث الأجنبية. قياس أوضاع وتكاليف النشاطات الاستهلاكية والخدمية يتواءم مع الإنفاق الحكومي والتمويلات والاستلافات الداخلية والخارجية. التأثيرات الاقتصادية الجانبية المصاحبة للنشاطات التقليدية، خلاف ما تراه العين وتسمعه الأذن من مبان وعقارات ومدن سياحية، يصعب تقييم متانتها وفعاليته مقارنة باقتصادات خارجية تتقارب مع اقتصادنا في التركيبة أو التعامل، ضمن المعطيات المتوافرة لكل منها والنواقص الغائبة.
الغالب على المقارنة الاقتصادية المنظورة لربع قرن مضى، مبادلات الاقتصاد الوطني السعودي لدخول البترول الخام ومشتقاته مقابل احتياجات الوطن من البضائع والسلع والخدمات الضرورية والترفيهية والإنفاق على الأمن والدفاع والقضاء والصحة والاجتماع والتعليم .. إلخ. صناعات الثروة المعدنية ومشتقات البترول الخام نشاطات تنقيبية خدمية وهندسية ابتكارية توفر فرص العمل الفني للمواطنين والدخول القومية لتحويل وتدوير النشاطات والأعمال الاستهلاكية بحيث، مع مرور الزمن والتعليم المصاحب والأخلاق القويمة والخلقيات الرفيعة ترقي كفاءة المواطن محلياً ويتحسن مورد رزقه من توفير ما يمكن توفيره محلياً عوضاً عن بعض من الاستيراد. التزاحم في الأعمال مع اقتصادات الغير توجّه المواطن لطرق وأساليب تجارية مربحة جديدة، ونشاطات إنتاجية متنوعة من الصيد والزراعة والفلاحة والتعدين .. إلخ. الأفكار المقدمة، خاصة في غياب البرامج الجماعية، لنشاطات وأعمال مبتكرة، ربما تكون حلم اليقظة لمجتهد، يرجو عطف ربه من كابوس أمة لمحنة قد تمتد معاناتها إلى المدى البعيد. خبرة الأقدمين في أنَّ "ما حكَّ جلدك مثل ظفرك فتولى جميع أمرك" واردة في هذا المقام. كوريا الجنوبية شاركت لأكثر من ربع قرن التزاحم، مع كثير من دول العالم، بنجاح من داخل الاقتصاد الوطني السعودي، وأثبتت مزاحمتها النسبية المتميزة على كثير من الدول الصناعية والخدمية. أخيرا أعلنت كوريا الجنوبية تخلف قدرتها التزاحمية لكثير من دول شرق آسيا، ووضعت برنامجاً لتصحيح الأوضاع والارتفاع بالقدرة التزاحمية الإنتاجية لتتفرَّد على أقرانها تزاحمياً. رئيسة الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة، رأت أنَّ زيادة الاستفادة الإنتاجية لدول الاتحاد الأوروبي الذي يصل عدد مواطنيه إلى 450 مليون نسمة، تكمن في عقد اتفاق تجارة حرة في السلع والخدمات مع الولايات المتحدة الأمريكية وتوسيع سوق التبادل والعمل الأوروبي الأمريكي بين أعضاء منظمة التجارة العالمية إلى 800 مليون نسمة. الفكر المنفرد قادر على أن يرى الكأس، نصف فارغ أو نصف مليان. التحدي الذي نعيشه والواقع الذي نحياه بغض النظر عن الانضمام للمنظمة، يفرض علينا أن نتعرف على الطريق الذي يوفر لنا القدرة لأن يكون الكأس مكتمل "بشربة من زمزم" بنهاية ربع القرن الحالي. الفردية التخطيطية للاقتصاد الوطني محدودة النتائج. استمرار الاتكال "السولو" (في غرف مغلقة بدون أي قدر من الاسترشاد بفكر "طياري وطني" مؤهل علمياً، وربما مغلق عالمياً)، على خبرات مؤسساتية إقليمية وعالمية عالية يجعل من منظور محدودي الدخل، أنَّ كل "مدردم" في الاقتصاد الوطني السعودي "باذنجان". الكفاح الاقتصادي الذي يتوجه له العالم الجديد، لا يوفر الوقت لمعرفة الفرق بين "الباذنجان" و"الرمان". واقع النسبة التزاحمية الإنتاجية للاقتصاد السعودي الفيصل في المحددات المتوافرة. المعايير الدولية التي تتباهى بها، "الواجهات" الخاصة والأهلية والرسمية في المجتمعات المخملية وعلى صفحات المقروءات المحلية "معلقات" وجاهة لا تنقذ غريقا ولا تروي عطشانا. منتديات دافوس ومونت كارلو والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي .. إلخ "تفريخ" معاقل مشهود لها عالمياً، للحصول على درجات تفوُّق لا ترتبط "بأكل العيش" محلياً، ولا توفر تقانة الموارد البشرية وأخلاقيات العمل ومعرفة النشاطات الاقتصادية المُستوْعبة لكثافة المواطن الماهر والعاطل الضائع والمحتاج المستور. قاعدة المزاحمة النسبية تكمن في علم الفضائيات والتقنيات والمبتكرات، لتنهض بالقدرات وتوسع المدارك وتعمق الإخلاص في العمل الجماعي المنتج.
التاريخ الاقتصادي الوطني السعودي الحديث، يشهد نقلة نوعية في تمويل المشاريع التشييدية طويلة الأمد في شتى المجالات وتخلفها في تفعيل مجالات اجتماعية واقتصادية حيوية، تلمس الأوتار الحساسة لذوي الدخول المتدنية والمهارات العتيقة والمنشآت الصغيرة. معرفة مفهوم الفكر العلمي الحديث المصاحب لتطوير التمويل طويل الأمد، قد يوضح الحاجة لتوافر خطط تطبيقية على مدار سنوات مقبلة لنشاطات متواصلة لأجزاء متفرقة تركيباتها المختلفة لتوفر تواصلا منطقيا لهدف نتائجه تعمل على تحسين الدخول الوطنية من تقوية المعرفيات والعلوم والتقانة والإنتاجية للاقتصاد الوطني. الانتقاد الصريح قد لا يخدم الهدف الإصلاحي التنموي ولا يفيد الاقتصاد الوطني ولا ينفع المواطن. نقد التصرفات والإجراءات مقارنة بالتطلعات والرغبات ضار بالمصلحة العامة طالما حالة "التطنيش" الأهلي والخاص والرسمي مستمرة: رفعتها لا تكون في قبول تندرنا الأقوال السائدة السالبة مجتمعياً ولا السكوت عليها. العمل بخفاء يخالف فكر العصر الذي نحياه. الاتفاقيات الدولية الموقعة تفتح الاقتصاد الوطني السعودي للعالم وتوفر له المعلومات عن طريق مؤسسات دولية متخصصة قائمة في الخارج. الداخل لا يوفر لمؤسساته الخاصة والأهلية والرسمية معلومات وافرة تتعلق بالإنفاق من أجل البناء والرخاء. الخارج يعمل بتوفيرها لتزويدها بأساليب منتجة لمواطنيه. الداخل لا يحجبها، حيث إنَّ فاقد الشيء لا يعطيه والوطن يفتقدها. المزاحمة النسبية لنشاطات الأعمال الوطنية تضعف مخرجاته وتتضرر، لأنَّ أبرز الهيئات الأهلية الغرف التجارية الصناعية: نراها وكأنها طواحين تعمل في تسعة عشر اقتصادا وطنيا متباعد التوجهات ومختلف الهـُدى ومفتقد الهـْوى التنموي لتوفير أولويات متفاوتة الهوية للنسب التزاحمية.
معظم التصديقات التي تصدر عن الغرف التجارية الصناعية السعودية، لا بد أنها تحمل عبارة "لمن يهمه الأمر"، وتنتهي بعبارة أنَّ الغرفة "لا تتحمل مسؤولية المحتويات". الفكر القابع خلف مثل هذه العبارات، لا يمكن له أن يتسابق مع الزمن ليضع مخططات لرؤى ما سيكون عليه مستقبل الأجيال المقبلة. النعمة الاستهلاكية التي نحن عليها مع قليل من الأنانية "الزكية"، ربما توفر لنا كرم تقديم تضحيات من فوائض راحتنا لتحوير قسط من أعمالنا وأفكارنا ومجهوداتنا إلى نشاطات استثمارية تتميز بقدرات تزاحمية نسبية خلابَّة ومبتكرة، لهدف تحقيق دخول مضافة من إنتاجيات السلع والخدمات والبضائع للبيع دولياً والتصدير بكميات وأنواع تتزايد أقيامها ودخولها مع احتياجات المواطنين وتزايد أعدادهم واحتمال انخفاض الدخول الريعية البترولية. المحافظة على مستوى الريع البترولي أمام الزيادة السكانية يترتب عليه تدنـِّي متوسط دخل الفرد السنوي. برنامج عمل ربع قرن قادم مقدر له أن يعطي في نهاية المطاف أربعمائة مليار ريال سنوي هدف برنامج النماء، وتتدرُّج الارتفاعات مع احتمال تناقص الدخل الريعي.
الاستعراض المقدم لأحلام اليقظة من دافع الواقع يربط اقتصادنا بالعالم الخارجي. السبعينيات غيرت كثيراً من الأنماط الاقتصادية الاجتماعية وترتب عليها أحوال لا تتواءم مع ما نريده ولا ما يسير عليه العالم. مجرَّد متابعة التباين لتعديله، يمثل فرص عمل تعطي مردودا وفي الوقت نفسه توفر عملا لعمالة وطنية لمجالات ولفرص واعدة طيبة. ربع قرن من الزمان من الخبرة والمران، وفـَّر لنا علما ومعرفة تمكننا من معرفة الطرق الجديدة للحياة ومواجه التحديات. تعديل كثير من النهج الذي نحن عليه، يعطي نتائج أحسن ومكاسب أفضل للاقتصاد الوطني في حاجة لها. الخيار الآخر تهاون في حق الأجيال المقبلة وإقلال أولويات الدفاع عن التحديات الاقتصادية الاجتماعية المستقبلية.
التحدي الهادف معرفة برنامج الطريق الاقتصادي الوطني السعودي الموفر الاستثمارات المنتجة لزيادة الدخل القومي بمعدلات تتفوق على الزيادة السكانية وتعوض نقصاً محتملاً في الدخل الريعي وفقاً لكامل المتطلبات لمنظمة التجارة العالمية والقدرة لخلافها من الإنفاقات. رفع الوضع التزاحمي النسبي للاقتصاد الوطني للمستويات التي تتناسب مع الظروف والأحوال العالمية، خيار لا يمكن التخلي عنه. عين العقل مقارنة كفاءة المشاريع التعليمية والبحثية والتشييدية لتحري أولويات الكفاءة لكسب السباق الذي اخترناه لأنفسنا بأنفسنا. خلاف ذلك : الأمور "مدروكة" لكشف حقيقتها، وعلاجها من واقع أحوالها بدون "بهللة". والله أعلم.