ميزانية الحاضر والمستقبل (1 من 2)
سبقني الكثيرون من خبراء ومحللين وكتاب إلى الحديث عن الميزانية الجديدة التي بلغت 380 مليارا وتعد الأكبر في تاريخ المملكة وما حملته من بشائر خير تنبئ عن رغبة صادقة وحرص لا حدود له من لدن ولاة الأمر للاستفادة القصوى من ارتفاع عائدات البترول وتوجيهها الوجهة الأفضل وهو ما اتضح من خلال تركيز الإنفاق على مشاريع البنى التحتية, وليس أدل على ذلك من تخصيص نحو 37 في المائة من النفقات العامة للمشاريع الجديدة، وترجع أهمية تطوير البنية التحتية إلى كونها الأساس الذي تعتمد عليه برامج التنمية الاقتصادية والصناعية، ويؤكد ذلك العلاقة الطردية بين البنية التحتية والناتج المحلي وبالتالي يعد التوسع والتطوير في البنية التحتية تعظيماً لأدائها في التنمية الاقتصادية، وتعد تجربة الهيئة الملكية في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين خير دليل على ذلك.
كما يجب في هذا الصدد تأكيد أن تطوير البنية التحتية أصبح أحد أهم العوامل لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وهو ما يمثل أحد أهم الأهداف التنموية للمملكة وبصورة خاصة في المدن الاقتصادية الجديدة المزمع إنشاؤها في مناطق المملكة لتحقيق التنمية المتوازنة في ربوع البلاد وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين وتوفير فرص العمل لهم في هذه المناطق، وفي ضوء توجيهات خادم الحرمين الشريفين يلاحظ أن تحقيق التنمية المتوازنة في مختلف المدن والمناطق يمثل أهم التوجهات التنموية في تاريخ المملكة المعاصر لضمان الرفاهية الاقتصادية لجميع المواطنين، وليس أدل على ذلك من الخطاب الملكي الكريم الذي سمعناه إبان الزيارة الملكية لمنطقة جيزان حيث أعلن حفظه الله - وبشجاعة يندر مثيلها - أن المنطقة شقيقتيها الحدود الشمالية والجوف لم تحظيا بمثل ما حظيت به المناطق الأخرى وأكد ـ حفظه الله - أن هذا الخلل سيعالج عاجلاً وهو ما تؤكده ميزانية الخير لهذا العام.
كما يلاحظ أن هناك تركيزا شديدا على مشاريع التعليم إذ بلغت مخصصات هذا القطاع 96.7 مليار ريال وهو ما يعكس اهتمام الدولة بالتعليم والتدريب والبحث العلمي باعتبارها الركيزة الأساسية للنهوض بالوطن والمواطنين في جميع المجالات وبصورة خاصة في القطاعات الإنتاجية، وتتضح أهمية العناية بهذه القطاعات إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأهمية المتزايدة للتقنية في مجال تطوير وتحديث الصناعة الوطنية وزيادة الأهمية المستقبلية للصناعات المعتمدة بصورة أساسية على المعرفة وتضاؤل أهمية المواد الأولية في الميزة النسبية.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن تطوير وتنمية قدرات القوى البشرية السعودية وملاءمة مخرجات التعليم والتدريب لمتطلبات القطاعات الإنتاجية تعتبر أهم الركائز لزيادة توظيف القوى العاملة الوطنية وإحلالها محل العمالة الأجنبية. حيث سينشأ أكثر من ألفي مدرسة ويفتتح أربع جامعات جديدة بالإضافة إلى جامعة البنات في الرياض، أما القطاع الصحي وهو الآخر يحظى بعناية خاصة فقد بلغ حجم ميزانيته وهو التنمية الاجتماعية 39.5 مليار ريال وهو ما يؤكد حرص حكومتنا الرشيدة على الارتقاء بالخدمات الصحية للمواطنين وبصفة خاصة محدودي الدخل، خصوصا أن زيادة مساهمة هذه الشريحة في التنمية الاقتصادية مرهونا برفع مستواهم المعيشي والتعليمي والصحي, وتشير الإحصاءات إلى أنه سينشأ أكثر من 380 مركزا للرعاية الصحية الأولية و13 مستشفى، بينما سيبلغ طول الطرق التي تم اعتماد تنفيذها أكثر من ثمانية آلاف كيلو متر كم، فضلاً عن إنشاء عدد من السدود وخدمات الصرف الصحي.