(دوا الـْشجرة عِرقْ منهـــا)

[email protected]

يرى المواطن السعودي في "عادة" صدور موازنة الدولة سنوياً، "أحسن العوائد" التي يتطلع إليها في الأيام الأخيرة من السنة المالية المنصرمة للموازنة السابقة: يترقبها "بفارغ الصبر"، لتخرجه من معاناة معيشية يحياها، وفكرية تحتريه لاحتمالات ما تحمله الموازنة من خيرات، يتخلله نقاش مجتمعي مع أقرانه لتطلعاتهم لما توفره لهم من فرص عمل جديدة، ومخرجات مالية تنير طرقات الحياة المعيشية والاجتماعية الصعبة، وتأخذ "بأيديهم" "لزلوجة" ضائقات مجتمعهم وتساعدهم لمواجهة حياة التشتت الأسري، لخيارات العمل الشاقة المتوفرة والدخول المتواضعة المحققة دون اعتبار مسؤول للتفكك الأسري وأخطاره الاجتماعية، من هجرة البعض "لبيع" ما يملكون من فكر علمي على التدريس في مناطق نائية، بينما آخرون في العائلة "يشترون" احتياجاتهم العلمية والاجتماعية في اتجاه معاكس.
الاقتصاد الوطني السعودي الأكبر في منطقة مجلس التعاون، متين القوى لتنوع نشاطاته الإنتاجية "المدِّرة" للدخل القومي، الواثق من قدرته لدعم موازنة الخير البالغة 380 مليار ريال. معالي وزير الاقتصاد والتخطيط يعتبرها "إيذاناً بانطلاقة متسارعة نحو المسيرة التنموية للمملكة، وتأتي تجسيداً لتوجهات خطط التنمية وأهدافها العامة، وأسسها الاستراتيجية الرامية إلى رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة وتوفير فرص العمل للمواطنين والتوسع في الخدمات التعليمية والتدريبية والصحية والبلدية والاجتماعية والمياه والصرف الصحي والبنية التحتية في جميع مناطق المملكة بما يحقق التنمية المتوازية بينها".
فرحة المواطن السعودي بصدور الموازنة، تلونها مشاعر حلوة ومرة، مسيطرة على توجهات المعيشة لتدخل راحة الطمأنينة لمواطنين "مرفهين" في رزقهم ومراقبين مجريات واقع الحياة من جهة، والإحباط والأسى لمن يحترقون لضياع حصيلة مضاربات مالية ليست موفقة، من سوق المال إلى سوق الخضار من جهة أخرى. "شغلهم الشاغل" انحصر في البحث والتدقيق للعلاقة بين ضخامة الموازنة المعلنة وتحسين أداء النشاطات الاقتصادية التطبيقية "لتتلحَّف" جروح الخاسرين وتفتح مجالات التشغيل المربح للموسرين.
الموازنة ليست فانوسا سحريا يفك الأبواب المغلفة. الموازنة بعيداً، عن إعلان الفرضيات الموضوعة لها وبدون القوائم التفصيلية وبرامج الأداء والتنفيذ، ليست أكثر من أرقام ضخمة لبنود إنفاق تقليدية لإجماليات أعمال تنموية خافية ومشاريع افتراضية.
تأثير الموازنة على النشاطات المختلفة للاقتصاد الوطني، وانشداد المواطن لخروجها، يتأثر بالتفصيلات المتوافرة: أرقاماً وتوقيتاً وتفصيلاً، ضمن محددات القدرات المتوافرة والعقول المتعاملة ومدى تطابق منجزات "حسن الإدارة مع صدق الإرادة" لمفهوم "المواطن أولاً وأخيراً". التركيبة الرسمية القائمة في التعاملات، المعلنة والخافية، للتشييد والإنجاز لبنيات المجتمع من منظور أفراده على اختلاف مواقعهم لا تعكس التطلعات التي يتمنونها. الآليات المعتمدة نظاماً حرفية التطبيق وفقاً للنظم والآليات والتوقيت من منظور المواطن، عند اتباعها "ما تسقي شربة موية" في وقت العطش. الاجتهاد في ترويضها من قبل المسؤول، قد يعتبر في أحسن الظروف والملابسات "مخالفة" نتائجها مدعاة للإحباط والتساؤل من النظام القائم.
الحمد لله سبحانه وتعالى، الموازنة ضخمة بالأرقام والنيات الحسنة، ومتوازنة مع التوجهات الحكومية، ومؤكدة قوة الاقتصاد الوطني وجاذبة للاستثمار، ومطمئنة لاستمرار الاستقرار الاقتصادي لموفراتها لتشذيب الدين العام ودعم الإحتياطي العام. تحقيق مكاسب معطيات موازنة الخير لا يكمن في سحر الأرقام. ترجمة النوايا الحسنة تعكس نتائج عزائمها في خير جار من منظور المواطن على قدر عزم أهل الحل والربط. "تحلل" النظام وتحرك المسؤول من "المرصود" ويحاسب الأجير، يوفر عطاءً ويراقب المواطن المستفيد من حسن الأداء. العلاقة التعاقدية القائمة لحفظ المال العام وحسن استخدامه والاستفادة منه، فيها نظر. تأسست قبل نصف قرن والعالم الذي نتعامل معه تقدم مجازياً معرفياً قرونا كثيرة.
إيضاح الخلفية الفلسفية الاقتصادية الاجتماعية وراء الميزانية الضخمة، مهم لهضم ضخامة الأرقام ومعرفة الوسائل والأساليب لتحقيق الأهداف التنموية التي أعلنها معالي وزير الاقتصاد الوطني والتخطيط. المعرفية الكاملة لتفصيلات البرامج الاجتماعية المختلفة من صحية وثقافية وعلمية .. إلخ، يوفر أرضية خصبة لتعاون المواطن "السائل والمسؤول"، ويزيد من فعالية نتائجها ويقرِّب من الفهم الرسمي والأهلي والخاص. هدف التقارب يوفر التفاهم المنتج بينهم، ويجعل منه أرضية متصلة ومتواصلة من العمل المشترك لهدف واضح ومتفق عليه. المواطن مرتاح للوضع الأمني الداخلي، ولا يخاف المخاطر الخارجية الإقليمية، ولا يبالي من مخاطر على ممتلكاته الخاصة والعامة. انزعاج المواطن الكبير لباقي الأمور المعيشية من صحة وتعليم وثقافة وحرية حياتية .. إلخ: يشوبها كثير من القلق وعدم الرضا، ودون تصريحات كبار المسؤولين. الحياة المعيشية المتوازنة بين خدمية العمل وتوافر الخدمات الأساسية تقوي المواطنة وتؤمن معيشة أسرية راضية. الكلام المعسول في الصحافة المحلية، يشنـَّف الآذان لشريحة مهمة في المجتمع، ويترك البقية الباقية من المجتمع لاهتمام "الإرادة العليا"، و"بحلقة" العيون لترى "مدخلات ومخرجات" الموازنة من حسن الإدارة في توفير حلول عامة تساند معاناتهم ومداراة أمورهم.
ضمان اتباع الأساليب الإدارية السلسة والنظم الواضحة السهلة والعقلية المرنة يحول الموازنة من مجرد "وثيقة إصدار" إنفاقي سنوي إلى برنامج تمويلي إلزامي لزيادة حصيلة الوطن والمواطن العلمية والثقافية والخلقية والثروة والبناء .. إلخ، طي المشاعر النبيلة والمحفزات المقدمة. قياس درجات النجاح، تبقى في عقول المواطن طوال العام المالي بمقدار بقاء حبه لله والوطن والمليك مدى الدهر. المصارحة المجتمعية بين المواطنين همساً على مستوى الجهر لأكثر المستويات الإنسانية إحباطاً: مردودها ثقافياً خاطئ وأضرارها مادياً مؤسفة لفقدان أموالهم وتضرر أوضاعهم الصحية والنفسية من جهة، ومدعاة للشفقة والمؤازرة لمن "ضاع عليهم الواطي والعالي" في سوق المال. محنهم تحجب عنهم تلمَّس المساندة وعدم رؤية معجزات الموازنة، لتخرجهم من الهلع والولع واليأس مع الحياة والتعاسة الأبدية. دور الموازنة في إيضاح برنامج اجتماعي لانتشال المواطنين المتضررين وتمكين القادرين طريق للازدهار الاقتصادي والنماء الاجتماعي.
نشهد لله أنَّ الأجهزة الرسمية تعمل بجدية وإخلاص: القائمون عليها يتطلعون لتقديم أحسن النتائج، والتسابق مع الزمن لتحقيق الرقي الذي تدفع به القيادة. المواطن يعرف أنَّ الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن، وأنَّ الإنسان لا يدرك جميع ما يريده ويبتغيه وأنَّ القناعة كنز لا يفنى. ضمن مفهوم معادلة واقع الحياة فإن المواطن محدود الدخل ودون ذلك، يتطلع إلى أنَّ الفجوة بين رمق العيش والحصيلة التي يدركها من دخل وعمل تكون ضمن المهمات الرئيسية الواضحة في البرامج التفصيلية للموازنة. التحسينات القليلة المستمرة في حياة المواطن المتيسرة أموره والمتعسرة أحواله على مدى الأيام، تريح فكره وتدفعه لمساندة الجهود الحكومية الخيرة لزيادة ثروته وارتقاء أحواله. طالما أنَّ النية مطية، فالجادة تتحقق من إيجابية الأعمال وتقويض المعطلات والإنجاز المفيد مهما كانت العوارض، وإزالة "الخشبة" المعوقة لطريق المؤمنين الملتزمين عملاً بأنَّ "المواطن أولاً وأخيراً".
تعيين متحدث رسمي لوزارة الداخلية: فكرة صغيرة في قيامها .. عادية في اعتمادها، كبيرة في تأثيرها: برهنت على نجاح عمل قوي في مصداقيته. توفير المعلومة الأمنية لم يضع حداً للإشاعات والتعليقات المخربة من الداخل والخارج على "المتجول والفضائي"، لمعلومة الصادقة المتقدمة التوقيت شلـَّت نشاط رواة الإشاعات، طمأنت المواطن، وأخرجته من دوامة ظلمة فراغ معلوماتي وأدخلته لنقاش مفيد وتناقل الفكر الهادف مجتمعياً. التلاقي المعلوماتي المتواصل بين الخاصة والأهالي والرسمين في الأهداف والرغبات والمصاعب والطموحات ما زال مفقودا. الموجود: الإنفاق الكبير المعلن عن الموازنة والكلام المعسول في الصحافة المحلية والنقاش الضار الهامس على مستوى الجهر في المجتمع. تحسين الحال الاجتماعي لأحسن حال يكمن في أن يعيش المواطن الأهلي والرسمي والخاص خير العطاء طوال العام، بدلاً من رخاء يوم في العام، عاماً بعد عام.
تـُسعد المواطن مشاركته الفكرية والجسدية والمالية في المسؤولية العامة. حديث هاتفي مع مسؤول حكومي، شمالاً لما لا يقل عن 1200 كيلو متر. النقاش تعرض ضمن مسؤوليات عامة واهتمامات وطنية، لتقييم التقدم في خدمة الوطن من منظور المواطن لمخرجات الإنفاق لفائدته وتحقيق التراكم المنفعي للوطن من جهة والسعي الدؤوب للمسئول الحكومي في تأمين مستويات الخدمة الراقية كاملة غير منقوصة مجاراة للتحديات القائمة والمنظورة لسنوات مقبلة. نهاية المطاف لمكالمة شيقة أوصلت المواطن المسؤول والسائل إلى اتفاق لامتداد التحاور في لقاء قادم لدراسة عملية وتفاهم أخوي بناء معرفي لجوانب مختلفة بين "البائع والمشتري" بالحلال: المواطن المسؤول من موقع مقدم الخدمة المتفهم لأحوال الرعية التي يدعمها سخاء القيادة والمواطن الذي يبتغي مرضاة المولى عزَّ وجل في الحفاظ على هذه النعمة لسعادته ومستقبل أبناء الوطن.
إذاً للموازنة دور في إصلاح أوضاع سوق المال، ربما نجده في تحقيق الأهداف العراض التي لخصها معالي وزير التخطيط والاقتصاد. الإنجاز الواعد يكمن في إحداث قفزة نوعية فكرية توائم بين الأقوال والأفعال للمواطن الرسمي والأهلي والخاص يدعمها 380 مليار ريال إنفاق على 360 يوما كل يوم "يناطح" يوم من العمل المنتج على مستوى الوطن وقطاعاته الاقتصادية المختلفة، التي لا تنحصر على سوق المال ولا العقار وتمتد لتشييدات عملاقة في الجبيل وينبع ومدن صناعية وزراعية وسياحية .. إلخ. فرحة الموازنة ليوم إصدارها مثل يوم الشجرة والمرور والإيدز والأسرة .. إلخ. الموازنة إضافة سخية لتجديد الحياة وتقويتها وإصلاح ما أتلفه الدهر.
للموازنة دور كبير، لأنَّها تثقفنا اقتصاديا، وتدربنا مهنياً وتزيد من معرفياتنا وتحسن صحتنا وتقوي سواعدنا وتقرب الرسمي والأهلي والخاص للعمل الجماعي المنضبط. الاقتصاد الوطني السعودي ليس آحادي الإنتاج. الاقتصاد السعودي الوطني، يتكون من قطاعات اقتصادية تقليدية وحديثة في مجملها الإنتاج الخير. أضعف عناصرها الإنسان الذي يبرئ نفسه من نواقص الأداء المنتج ويطلب منْ حوله أن يوفر كامل احتياجاته غير منقوصة. الازدهار المستدام في توازي توافر النشاطات المنتجة وتساوي توزيعها عبر البلاد وتقاسم المواطن المسؤوليات والمعطيات وفقاً للقدرات المتوافرة وإزالة المعوقات الفكرية والجسدية وتقويض عناصر الشر والأضرار. الشفافية ليست خطابية بمقدار ما هي قيمة وطنية مهمة لنجاح الوصول. الهدف توفير القدرة لتحقيق المطلوب على الرغم من المصاعب والعوائق تدفعها قناعة الإيجابية والبعد عن اتخاذ النظام مبرراً للتعطيل.
الهمْ التنموي الكبير ليس فقط في البطالة للوطنيين والعمالة للأجانب، وليس في الندم على الماضي الذي أوجدها والحال الذي نحن عليه. كثير من الكتابة الاقتصادية عن الماضي مغلوط وناقص، لأنَّ من يكتبون عنها لم يعيشوا ذلك الماضي في داخل الوطن، لبعدهم للدراسة في الخارج. الازدهار الذي ترعاه الموازنات لعشر سنوات مقبلة، يتطلب تعاوناً معرفياً وتدريباً مهنياً متطوراً وفكراً متجدداً. الاستعانة بالعمالة الأجنبية غير منظور الاستغناء عنها في العقد الذي نعيشه. تبسيط المشكلة الاقتصادية السعودية في فكر العمالة أهلياً ورسمياً وشخصياً عائدها محدود. تركيز الفكر والعمل والتعاون لتحقيق الازدهار من إنفاق مقدر بأربعة آلاف مليار ريال سعودي لعقد قادم من الزمان، يمثل التحدي الذي نتحاور حوله بموضوعية معرفية وعلمية حديثة تعترف بأن الأساليب المتبعة حاليا لفكر الموازنة ليست الأفضل لنجاح الأداء ويقوُّضها النظرة الشخصية لكنز الأموال. "الوطن أولاً وأخيراً" هو الوطن المزدهر اقتصادياً وتحقيقه في توفير الثقة الوطنية، ومقدرة المواطن المعرفية ليختار لنفسه أن يكون عاملاً أو صاحب عمل ضمن مفهوم صادق للشفافية والمحاسبة على قدر العمل. العلم لا نسعى له غاية في ذاته، بل وسيلة لحياة أفضل. المال وحده ليس الثروة الحقيقية الكاملة. الاقتصاد السعودي الوطني يتوافر له بعون الله أموال كثيرة يضاف إليها حرية العمل وتحرر الإنجاز وتعاون المواطنين لزيادة الثروة الأخلاقية والخلقية والمعرفية. التنقل محلياً في فكر الإنجاز التنموي السعودي وفقاً لتعدد المدارس التقدمية بمثابة "تعلم الحلاقة في رؤوس القرع". الحاجة إليه تسبقها أولويات اجتماعية اقتصادية واقعية، وتكاليفه عالية وأضراره لا تبين إلا في نهاية العقد الذي نتحمل مسؤوليته أمام الأجيال المقبلة.
إنفاق أربعة مقدر آلاف مليار ريال سعودي لعقد من الزمان "تستاهل" إنفاق مائتي مليون ريال سعودي على مخطط إنمائي يقوي بنيان الاقتصاد الوطني السعودي، ويتولي مسؤولية أمره عقول معرفة وخبرة تفكر لاحتياجات الوطن لقرن مقبل من الزمان. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي